العوامل الاجتماعية في الفكر المتطرف لدى الشباب

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2023-03-01 04:27:06

الباحث : احمد مزاحم

قسم دراسات التطرف العنيف

لم تعد البيئة الجغرافية المؤثر الوحيد في بناء الشخصية, فقد منح التطور التكنولوجي للفرد المساحة الاكبر لتكوين قناعات وتصورات تؤثر على الفرد والمجتمع من خارج بيئته الجغرافية, والمحيط الذي يدور في فلكه, ومؤثرات تساهم في بناء افكار ايجابية اوسلبية, خصوصاً أن المجتمعات الانسانية تتصف بسمة التغير الاجتماعي المستمرة، فالتغيير الاجتماعي هي سمة الحياة الاجتماعية التي تدور في محورين هما الافكار الايجابية و السلبية, وذكر المؤرخ الفرنسي (فرانسوا غيزو)  إن العالم ملك للإيجابيين، أما السلبيين فليسوا سوى مشاهدين.

ومن أخطر الافكار السلبية هي الافكار المتطرفة اذ عانت البشرية منها منذ أقدم العصور وعلى مر الازمنة, حيث وصلت الى حد القتل والاجرام وهو صراع بين الحق والباطل, فضلاً عن اشتراك وتداخل التطرف في اغلب الاحيان مع العنف والتعصب والارهاب والجريمة, ويرتبط التطرف بالتشوهات الفكرية الناتجة من محور الافكار السلبية.

وبطبيعة النفس البشرية منذ ان خلقها الله وهي تسعى الى تحقيق غاياتها المتزايدة وفق الحاجات الضرورية للوصول للكمال والقبول الاجتماعي, والتمايز بين اقرانها, حيث يسعى الشباب في مرحلة المراهقة المبكرة لتكوين علاقات اجتماعية مع الاصدقاء وكذلك القيام بالدور الاجتماعي معهم, ويتميز في هذه المرحلة بسرعة الانصياع ويتجنب الممانعة وكسب القبول الاجتماعي, فضلاً عن تاثرهم بالسلوك الجمعي بدافع افتراض ان الاخرين يعرفون اكثر منهم, حيث تتجاذب في هذه المرحلة العمرية  الاهواء والاراء والمعتقدات التي تلاقي هوى في نفسه وتدفعه لتاكيد ذاته في سلوك استقلالي عن الاخرين , وللظروف السياسية والاجتماعية التي تحيط بالفرد تاثير مباشر تجعل من الفرد في ظروف مهياة للانضمام لجماعات تحمل افكار متطرفة او سلبية , ويكون لها وقع بالغ الاهمية في سلوكه العام الظاهر, وقد يكون هذا السلوك في اللاوعي, وينعكس هذا السلوك في الاعلام للتعبير عن وجهات النظر التي يتبناها.

ولقد ساعد في ذلك كثيراً التطور التكنولوجي والاعلامي الرقمي الذي يتسم بالسرعة وبالتكلفة الزهيدة والانتشار الواسع محلياً ودولياً , فاصبح المرسل هو صانع الرسالة الاعلامية واصبح وجوده رمزياً في العالم الرقمي, حيث اعطى حرية ومساحة اكبر في نشر افكارة والتاثير بافكار الاخرين, ويتشارك في الرسالة الاعلامية ثقافة وتوجه المتلقي حسب مايفسره وما يحملها من صورة نمطية في ذهن ووعي المتلقي.

وحسب ما اكد عليه علماء النفس بأن الانسان بطبيعته متعلم ومتأثر بسلوك جمعي على شكل سلوك استجابة انفعالية لمواقف الحياة, وتترك الجريمة اثاراً سلبية على المجتمع واستقراره .والمهم هو معرفة اسباب الالتحاق والبقاء وحتى اسباب الانسحاب من تلك المجموعات, هل بسبب الظلم المدرك ام الحاجه للهوية ام الحاجة للانتماء او ردة فعل لصدمات الماضي أو لاسباب شخصية اذ يرى عالم النفس فرويد ان كل العقد النفسية التي تظهر في حياة الانسان مردها الطفولة,  اوترتبط بالتشوهات الفكرية تلقاها من الابوين او من احد الرموز الاجتماعية .

وهنا ياتي دور الاباء والكوادر التربوية وجميع وسائل الاعلام في تهيئة بيئة امنة  من خلال خلق اجواء ايجابية يعيشون فيها, والتمسك بالهوية الوطنية والانتماء للارض, وترك الهويات الثانوية التي تشكل عبئاً على الهوية الوطنية, ونبث رسائل الكراهية والتحريض على العنف والفوارق الاجتماعية والدينية واستهداف الاخرين ولا بد من التعايش على اساس قول الامام علي عليه السلام "الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق"