سايكولوجية التسول

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2022-05-21 14:24:50

تـُعد ظاهرة التسول من الظواهر الخطرة التي تهدد أمن وأستقرار المجتمع, ولها أوجه عدة أما لطلب المال, أو الطعام, ولا تقتصر على فئة معينة, وتعد نمطاً من أنماط السلوك البشري الاجتماعي المرضي, وتختلف اوضاع  وطرق التسول منها بصورة مباشرة وغير مباشرة من خلال عرض خدمات من دون الحاجه لها ويتعرض بعض الناس للابتزاز. ففي القدم كان يقتصر على بعض شرائح وفئات أجتماعية معدومة اقتصادياُ والتي تعاني من أمراض معينة أو من ذوي الاحتياجات الخاصة او لشعورهم بالاقصاء والتهميش الاجتماعي، وكانت تعبر عن حالات فردية تنتشر هنا وهناك ولكنها اليوم بدأت تتحول إلى مهنة تضم جميع الفئات العمرية ومن الجنسين خاصة (الفتيات). ونشرت جريدة "النهار العربي" في 26 نيسان 2022  إحصائية من مسؤولين في وزارة الداخلية العراقية بشأن أعداد المتسولين تفيد بأنه يوجد في بغداد أكثر من (140) الف متسول وفي البصرة نحو (100) الف وفي ذي قار أكثر من (100) الف وفي المحافظات الوسطى  النجف- كربلاء- الديوانية- بابل نحو (160 )الف متسول. اما في محافظات (ديالى- الانبار- صلاح الدين- كركوك- نينوى)، فهناك اكثر من (230) الف متسول. وتُعد هذه الارقام مؤشر يدق ناقوس الخطر للانحراف الاخلاقي, كون المتسولين هم أكثر عرضة للاستجابة للمغريات المادية بسبب فقرهم أو طمعهم للمال, أن معظم المتسولين من المنحرفين واصحاب الاخلاق غير الحميدة, فبالتالي يسهل استدراجهم من قبل العصابات والمنظمات الاجرامية من اجل تجنيدهم, وتُعد أحد أسباب الجنوح والانحراف. اذ يخالط أصدقاء السوء أو يعمل عمل غير قانونية كالدعارة ونقل المخدرات أويقوم بأعمال عدوانية تجاه الاخرين, فضلاً عن منافاتها لقيم المجتمع وأخلاقياته.

يرى عالم النفس الامريكي (ابراهام ماسلو) أن الحاجات أو الدوافع الانسانية تنتظم في تدرج أو نظام متصاعد من حيث الاولوية, فعندما تشبع الحاجات الاكثر اولوية فان الحاجات التالية في التدرج الهرمي تبرز وتطلب الاشباع هي الاخرى, فاولى الحاجات هي الفسيولوجية والمتمثلة بالطعام, والشراب, والجنس, والنوم, وغيرها من الحاجات التي تخدم البقاء قيد الحياة بشكل مباشر, وعندما يكون هناك اخفاق اقتصادي في البلد والمتمثل بنسبة الفقر 25 % حسب تقرير وزارة التخطيط لشهر شباط وان نسبة الفقر بين الاطفال ارتفعت الى 38% . هذه الاحصائيات لها انعكاسات في التفكك الاسري وضعف النسيج الاجتماعي وهذا واضح من خلال نسبة الطلاق المرتفعة في اخر احصائية لشهر شباط والتي تزيد عن 6000 حالة طلاق, فضلاً عن انتشار افة المخدرات حيث اضحى اعلان اجهزة الامن العراقية عن تفكيك شبكات المخدرات امر شبه يومي. وكذلك يعزو علماء النفس إلى أسباب أخرى تعود إلى الطفولة وتاثير البيئة المحيطة بالفرد والمتمثلة بالمشاكل العائلية وعدم توفير المستلزمات الضرورية, والبخل من الأسباب الرئيسية في تشجيع الأطفال والمراهقين للهروب والتخلي عن الاسرة واللجوء للمارسة التسول المؤدي للانحراف, وكذلك الامراض النفسية كالحسد, والاكتئاب المزمن الذي يدفع إلى التسول والادمان .

قد يتاثر الأفراد بمهنة التسول سواء كانوا محتاجين أو غير محتاجين لعطف الاخرين واستدرار شعورهم, ان شخصية الطفل تتشكل بصورة اساسية وفق ما تطرأ عليه من كلمات وعبارات الافراد من حوله. فضلاً عن أن في المراحل الأولى من الطفولة يتأثر الأطفال كثيرا بأشخاص خارج الأسرة .

ظاهرة التسول تعود من حيث اثرها السلبي على مختلف مكونات المجتمع, فهي تؤثر سلباً على الطفل المتسول من حيث اهانة قيمته الانسانية والانتقاص من صورته وحضوره الاجتماعي وحرمان طفولته. فضلاً عن انه يعطي التسول صورة مشوهة عن المجتمع الذي يعاني من الظاهرة فانتشار هذه الظاهرة باشكالها المختلفة مثل جلوسهم في الاماكن العامة ومد يدهم واستخدام وسائل البكاء واللحاق بالمارة كلها مظاهر تشوه صورة المجتمع .

 إن أهمية الأطفال في مجتمعنا العراقي واهتمام الدولة التي تُعدّ مسؤولة عن حمايتهم من عوامل الضعف والتدهور والتفكك، تزيد من ضرورة منحهم الرعاية والأمان والاستقرار النفسي بما يؤدي إلى نمو مجتمعي سليم.

تتزايد اعداد المتسولين الاجانب في المجتمع بسبب الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي بدول الجوار مثل سوريا مما ادى الى نزوح العوائل الى العراق وكذلك من الباكستانيين وغيرهم من الدول التي تتأثر بالكساد الاقتصادي, وتتمثل ظاهرة تسول الاجانب بدرجة عالية من الخطوره بأحتمالية قوية بأرتباطهم بعصابات دولية او حتى ضمن مخابرات أجنبية قد تهدد امن وسلم المجتمع العراقي.

ولمواجهة هذه الظاهره,  يجب تظافر جميع الجهود الرامية إلى تحقيق التكافل الاجتماعي والتي تقع على عاتق المؤسسات الرسميه مثل وزارة العمل والشؤون الأجتماعية, وكذلك غير الرسميه بما فيها المؤسسات الدينية ومنظمات المجتمع المدني, في توفير فرص العمل ودعم هذه الشريحة مادياً ومعنوياً,  وكذلك سن القوانين التي تحد من هذه الظاهرة, فضلاً عن توعية المجتمع من خلال نشر البوسترات, واعداد برامج تلفزيونية تسلط الضوء على ظاهرة التسول .