الجيش من اهم عناصر بناء الدولة

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2021-08-25 09:24:35

 

                                                                    م.م نور عبود كنبر

                                                                               قسم  الدراسات التاريخية  والاستراتيجية

                                            (الجيش للدولة كالسقف للقصر يحمي مابداخله)

                                                                         ((ميكافيلي))

لايكفي لقيام الدولة ونشأتها توافر مجموعة افراد (الشعب) يسكنون اقليماً معيناً (الارض) بصفة دائمة ومستقرة ,إذ لابد من وجود سلطة سياسية (هيئة حاكمة) تتولى تنظيم الأمور وإدارة شؤون الدولة , من خلال ما تضعهُ من انظمة وقوانين , يُعد وجود هذه السلطة من اهم عناصر تكوين الدولة , الأمر الذي دفع بعض الفقهاء الى تعريف الدولة بها , حتى شاع بين العامة تعبيري السلطة والدولة كمترادفتين .

ان الشرط الوحيد المُتطلب من الهيئة الحاكمة هو بسط سلطانها على كامل اقليم الدولة والمقيمين عليه بواسطة القوة المادية (الجيش) الذي يجب ان تحتكره تلك السلطة من اجل تأمين الأستقرار والأمن الداخلي والدفاع عن اقليم الدولة من العدوان الخارجي , فأحتكار القوة أمر لازم وضروري لممارسة السلطة .

بعد ان تولى الملك فيصل الاول حكم العراق أبدى اهتماماً إستثنائياً بالجيش لاعتقاده (أن اولى مستلزمات الأستقلال في حصول البلاد على جيش يحمي اراضيها ) ويلغي حجة البريطانيين لتبرير وجودهم العسكري في العراق , وعلى الرغم من أيمانه بأن (السياسة هي الطريق الأسلم لحل الخلافات بين الدول ) إلاَ أنهُ كان مقتنعاً في الوقت نفسهُ بأنهُ لايمكن للدولة أن تتقدم وتسمو إلاَ بزيادة قوتها العسكرية , لذلك بدء الملك المؤسس مذكرته الخطيرة التي كتبها عشية الاستقلال لمناقشتها بالقول (بدأت بالجيش لاني أراهُ العمود الفقري لتكوين الدولة ) .

تشكل الجيش العراقي في السادس من كانون الثاني عام 1921م, وفي عهد أول وزارة دفاع تشكلت في العراق وتولى فيها الفريق جعفر العسكري وزارة الدفاع , أستند تشكيل الجيش على المبادئ الأتية :

  1. أن يكون ولاء الجيش لله والوطن
  2. أن يكون بعيداً عن السياسة
  3. أن يكون مهنياً محترفاً
  4.  ان ينتمي أليه العراقيون بالهوية العراقية من دون إستثناء.

إن ظروف بناء دولة العراق اليوم مشابهه الى حدٍ كبير لظروف بنائها في عام 1921م بعد الحرب العالمية الاولى , من حيث وجود احتلال اجنبي (الاحتلال البريطاني اّنذاك والأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م ) , ولكن عملية البناء الدولة في الوقت الحاضر اصعب لسببين :

الأول : أن عملية البناء اليوم تجري على أنقاض تركة ثقيلة خلفتها أنظمة الحكم الفردي السلطوي التي فرضت نفسها على العراق برغم إرادته ومساؤئ وصعوبات تراكمت عبر ظروف العراق السابقة قبل الاحتلال وما أضيفت اليها من تداعيات اخرى بعد ألاحتلال .

والسبب الثاني : هو ذلك التنافر السياسي القائم في العراق منذ الأحتلال , والذي يجعل من توحد الأرادات في إرادة واحدة لبناء العراق مهمة صعبة بالرغم من توافر الأمكانيات المادية والموارد البشرية اللازمة للبناء , ومع ذلك فلابد لعملية اعادة البناء والعودة بالعراق الى مكانته في المجتمع الدولي من السعي الوطني المخلص لتبني الأتي :

  1. بناء جيش وطني ذو عقيدة دفاعية :

       إن طموح أي نظام في مسعاه لبناء الدولة , أن يكون له جيش نظامي وطني قوي وأستراتيجية عسكرية دفاعية يتوليان بجدارة مسؤولية الدفاع عن البلاد.

لقد كان لتفكيك الجيش العراقي بعد الاحتلال الامريكي عام 2003م , وحله ضمن الاهداف الرئيسة للاحتلال الامريكي وجزء من استراتيجية أمن إسرائيل و إجراء تغيير في مراكز القوى الأقليمية وإعادة ترتيبها في المنطقة ضمن مصالح أمريكا لتمرير مشروع الشرق الاوسط الكبير . فالاحتلال الذي قضى على الجيش العراقي بالتدمير والألغاء لم يكن يرغب في ان يكون للعراق جيش قوي مرةً أخرى , وعندما أضطر الاحتلال الى إعادة تشكيل الجيش العراقي لم يكن في نيته بناء جيش نظامي قادر على تأمين العراق وأرضه بل كان في ذهنه أن جيش محدود الحجم لايتجاوز تسليحه وتجهيزه وتكامل صنوفه مايكفي لأداء دوره في الأمن الداخلي .

إن جيشنا العراقي الحالي بحاجة الى إعادة بناءه على المستوى الذي يمكن أن يكون فيه قادراً على اداء مهامه الوطنية بما يخلق احساس بالردع الضمني تجاه التهديدات الداخلية والخارجية ,فعملية اعادة بناءه يجب ان تكون على اساس يضمن اداء مهامه وواجباته ويعتمد ذلك على المرتكزات التالية :

  • التحديد الواضح لمفهوم المؤسسة العسكرية .
  • تثبيت مبادئ عمل المؤسسة العسكرية .
  • تأهيل القيادات وهيئات الركن في مستوى اداء قيادة حقيقية .
  • إعداد نظام معركة القوات المسلحة .
  • تحديد سياسة التسليح والتجهيز .
  • تبني الاستراتيجية العسكرية لادارة الدولة في الحرب وأن تبنى على فكرة الدفاع والحفاظ على وحدة العراق .
  • تحديد نهج التدريب والاعداد ووضع الخطط للبنى التحتيه من القواعد المادية التدريبية والادارية .
  • تحديد مفهوم سياسة الدفاع والعقيدة العسكرية وفن الحرب والجوانب التعبوية وعناصر القوة واستخدام القوات ومجموعة القوانين والانظمة العسكرية .
  1. رفع مستوى كفاءة المؤسسات الأمنية : هناك أمور تتطلب الأنتباه لها والعمل على تطويرها لعلاقتها ببناء القوات المسلحة العراقية ومنها ضرورة رفع مستوى الاداء للمؤسسات الأمنية , حيث أن ذلك يتيح الفرص للجيش لينصرف الى مهمته الدفاعية في الذود عن البلاد وعدم زجه بمهام الأمن الداخلي كلما كان ذلك ممكناً وكما يأتي :  
  • قوى الامن الداخلي والشرطة :

 تدعو الحاجة الى وجود اجهزة امن داخلي وشرطة قادرة على ان تكون في مستوى يضمن تحقيق الامن الداخلي في إطار المؤسسسة الأمنية الوطنية المهنية الحقيقية القادرة على حفظ أسرار الدولة وحماية ممتلكاتها وأموالها وأموال المواطنين دون تمييز فيما بينهم , وأن تبقى هذه القوات مهنية في اداء واجباتها , وتحرص في أن تكون فوق الشبهات و الفساد وتجعل المواطن يشعر بأن هذه المؤسسة الأمنية وجدت من أجله , كما ويجب أن تحظى هذه القوات بقرار وطني من حيث تثبيت مهمتها ومبادئ عملها واعتماد الكفاءة والمهنية في اسناد المناصب على كافة المستويات , وأن تتسلح وتتجهز بما يمكنها من اداء مهامها وواجباتها , وأن تُعزز هذه المؤسسة بمنظومة إستخبارية مهنية إختصاصية عالية القدرة لأفشال مخططات الأرهاب والجريمة المنظمة قبل أن تتحرك عناصره وتنفذ .

ب - قوات حرس الحدود :

   من الضروري أن تكون هذه القوات مدربة ومجهزة بأحدث التجهيزات والأسلحة والطائرات    المسيره للرصد والأستطلاع مع المراقبة الالكترونية وخاصة على الحدود التي تشهد عمليات تسلل للجماعات الأرهابية وجماعات التهريب , مع ضرورة اعتماد الكاميرات النهارية والليلية ذات خاصية التسجيل والتقاط الصور لمنع خرق الحدود , واعطاء اهتمام خاص لتفعيل الأتفاقيات  مع الدول المجاورة في موضوع  تبادل المعلومات والتنسيق الأمني في مجال مكافحة التسلل والأرهاب , مع اعتماد نصب منظومات المواقع والخنادق والأسيجة الكونكريتية وبخطوط متعددة في العمق , مع إجراء الفعاليات على خط الحدود بحملات جوية وبرية وبحرية لمطاردة الجماعات المسلحة وجماعات التهريب استناداً الى معلومات إستخبارية دقيقة , مع استخدام المتحسسات ورادارات كشف المشاة .

أن الجيش وقوى الأمن الداخلي وقوات الحدود هي عبارة عن مجموعة مترابطة في منظومة الدفاع الوطني , وإن تنسيق اعمالها يحقق اهداف الدولة في الدفاع الخارجي والامن الداخلي وضبط حدود البلاد , لذلك فإن الاجراءات الأساسية لبنائها واعدادها وتطويرها يجب ان يسير بشكل متوازي في كُلٍ منها مع ايجاد صيغ دائمة للترابط والتنسيق والأتصال فيما بينها .

مما تقدم يمكن القول ان بناء  دولة متكاملة  في كل انحائها من قوانين وانظمة ودستور ، لكنها بلا جيش قوي يحميها فسوف تتداعى عليها الامم وتمحو هذه الدولة في لحظات وهذهِ سُنة كونية ، فسواء كان بيتكَ قصر او حتى كوخاً صغيراً لكنه بلا سقف يحميه فهو مشاع مباح للجميع يُهاجموه كما يشاؤون