المرشحون لانتخابات 2020 عن الحزب الديمقراطي .. جو بايدن الأفكار والمواقف السياسية

التصنيف: دراسات

تاريخ النشر: 2020-10-11 17:55:37

جو بايدن الأفكار والمواقف السياسة

في هذه الانتخابات لدينا مرشح يسعى إلى ولاية ثانية وهو المرشح الجمهوري ترامب، اما الحزب الديمقراطي فقد بدأ السباق الانتخابي داخل أروقة الحزب في وقت مبكر ليتنافس ما يقرب 30 مرشحاً لتمثل الحزب في الانتخابات الرئاسية، وكانت أولى الحملات الانتخابية لعضو الكونغرس السابق جون ديلاني الذي بدأ حملته في صيف عام 2017 وانضم إليه أندرو يانغ بعد ذلك بشهرين، لكن بعد عامين ونصف من الحملة الانتخابية اعترف ديلاني بالهزيمة وانسحب في يناير/ كانون الثاني 2019 ، اما عن أخر الحملات الانتخابية او التي بدأت بوقت متأخر عن باقي حملات المتنافسين هي حملة المرشح مايكل بلومبرج إذ كانت إستراتيجيته تتمثل في التركيز على الولايات التي تصوت يوم الثلاثاء الكبير لحجم الأصوات الكبير التي يمكن كسبها في ذلك اليوم، وإنفاق مايكل مبالغ ضخمة من ثروته الشخصية على الحملات الإعلانية، وفي النهاية خرج كل المتسابقين في يوم الثلاثاء الكبير، ولم يبقى إلا جو بايدن الذي فاز في 8 ولايات من بين 11 ولاية التي صوتت في ذلك اليوم، ومن ثم أصبح هو المرشح الديمقراطي للانتخابات  الرئاسية الأمريكية 2020.

 

   إلى أي مدارس السياسية الخارجية الأمريكية ينتمي بايدن؟

يصنف الكاتب الأمريكي والتر راسل ميد في كتابه تقاليد (السياسة الخارجية الأميركية وكيف غيرت العالم) صنف السياسية الخارجية الأمريكية الى أربع مدارس او مذاهب فكرية أمريكية، وهي المدرسة الهاملتونية، والمدرسة الجيفرسونية، والمدرسة الجاكسونية، والمدرسة الويلسونية، وبايدن من الطبيعي ان يستقي أفكاره او تتطابق مع احد هذه المدارس، ومن اجل معرفة الى اي مدارس السياسية الخارجية الأمريكية ينتمي بايدن سنعتمد في تصنيفه على عدة ركائز منها رؤى وأفكار الحزب الديمقراطي في شأن السياسة الخارجية، و تاريخ بايدن ومواقفه السياسية، و أفكاره التي يطرحها في السباق الانتخابي 2020.

فالحزب الديمقراطي عموما وبمختلف اتجاهاته اليسارية واليمينية يتخذ من أفكار المدرسة الويلسونية (المثالية) ممزوجة بأفكار بالمدرسة الهاميلتونية (الواقعية) أساس لأفكاره في السياسة الخارجية، فهو يؤمن بالعمل ضمن المؤسسات الدولية والشراكات الدولية وإيمانه بالتجارة الحرة المفتوحة بين جميع دول العالم، وتفضيل الدبلوماسية كأداة في السياسة الخارجية على القوة العسكرية، وكذلك يؤمن بنشر الديمقراطية من الداخل- إي من دخل الدول نفسها- ودون اي تدخل عسكري، اما مواقف وأفكار بايدن في السياسية الخارجية الأمريكية كونه عضو في الحزب الديمقراطي منذ بديات مسيرته السياسية تطابق أيديولوجية وتوجهات الحزب الديمقراطي، فلبايدن سجل كبير من المواقف والتصريحات والتشريعات في السياسية الخارجية الأمريكية نتيجة مسيرته الطويلة كعضو كونه عمل في أكثر من موقع و في مجال صنع او اتخاذ قرار في السياسية الخارجية كعضو في الكونغرس في لجنة العلاقات الخارجية او منصب نائب الرئيس في حقبة الرئيس اوباما الأولى، ومسؤول عن ملفات خارجية كثيرة منها العراق أوكرانيا، الصين، وغيرها من الملفات، ففي  بداية حياته السياسية في مجلس الشيوخ عام 1973 عبر عن مواقف مناهضة لحرب فيتنام (1955 ـ 1975) كجزء من فصيل في الحزب الديمقراطي مناهض لتلك الحرب ليس بدافع اخلاقي بل رأى انها غلط سياسي فالولايات المتحدة ليست شرطي العالم، كما اعترض على حرب الخليج عام 1991، إثر اجتياح العراق للكويت عام 1990، ثم بدء عملية غربية وعربية مشتركة لتحريرها، أي عبر الشركة الدولية، لكن في المقابل دعم بايدن تدخل الحلف الأطلسي في البوسنة عامي 1994-1995، وهذا التفويض يعبر عن رؤية واقعية لبايدن إذ يرى انه يمكن دعم التدخل الإنساني في البلقان لأن الفوضى والعنف في أوروبا يهددان الأمن القومي الأمريكي، ولأن الولايات المتحدة تملك القدرة على التدخل وتحديد النتيجة، وصوّت في الكونغرس لصالح إعطاء تفويض للرئيس جورج بوش الابن بغزو العراق عام 2003، لكنه كان يشكك في الإيمان الساذج بقدرة أمريكا على تثبيت الديمقراطية في أماكن استبدادية، و في عام 2006 عندما غرق العراق في العنف، وعودة الاضطرابات إلى أفغانستان، أصبح بايدن أكثر أحبطاً من قدرة الولايات المتحدة على  بناء الدول بعد الحرب، وكان يرى أنها مهمة تجاوزت صبر الولايات المتحدة ومواردها ومصالحها، وفي تلك الحقبة ظهر رأي بايدن في صحيفة "نيويورك تايمز" عام 2006 بتقسيم العراق الى ثلاث دول حسب التوجهات الطائفية الذي تراجع عنه في ما بعد، وكان معارض للتدخل الأمريكي في ليبيا عام 2011، لانه كان يرى بان الولايات المتحدة ليس لديها مصالح قومية ذات أولوية مهمه في ليبيا، وبالتالي يجب أن نبقى خارج ليبيا، كذلك اعترض على رفع عديد القوات الأميركية في العراق عام 2007 وفي أفغانستان عام 2011، لأنه كان يرى بان لا فائدة من حماية حكومة في أفغانستان ترعى الفساد وغير جادة بمحاربة الفاسدين الذين هم جزء من الدولة الضعيفة، وبالتالي أي جهد للولايات المتحدة لمحاربة القادة في أفغانستان سيذهب سُدى، وكذلك لابد من استكمال الصراع مع القاعدة في باكستان والا فان جهود الولايات المتحدة لا تنتج اي تغيير وهي تبذير للأموال ولأرواح وهذا الموقف يمثل المدرسة المثالية أيضاً، ونصح أوباما عام 2011 بعدم الموافقة على عملية قتل زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، لأن فرصة النجاح كانت منخفضة جداً بسبب عدم اليقين المطلق بوجود بن لادن في الموقع .

أما جوهر برنامجه الانتخابي لعام 2020، يتمثل في دعوته الى أعادة القيادة الأمريكية للعالم، ويدعو الى نشر القيم الليبرالية الديمقراطية الأمريكية عبر عقد مؤتمر دولي يروج للقيم الديمقراطية، و اتخاذ من المثل والقيم الأمريكية أساس لقوة الولايات المتحدة عبر شعاره الذي يطلب من الأمريكيين الايمان بقوة المثل والقيم الأمريكية، وان تعيد الولايات المتحدة نفسها قائدة للدول الديمقراطية وتعمل لإصلاح الديمقراطيات العالمية والدفاع عنها، وتجديد التزام الولايات المتحدة بالاتفاقيات الدولية ومنها اتفاق الولايات المتحدة مع إيران الذي انسحب منه الرئيس ترامب والعودة أيضاً الى اتفاق باريس بشأن المناخ، والعودة كذلك الى المنظمات الدولية والعمل الجماعي من أجل مواجهة المشكلات الدولية والدعوة الى التجارة الحرة المفتوحة بين جميع دول العالم، وإعطاء الدبلوماسية الأمريكية الأولوية في أدوات السياسية الخارجية، ولا يستخدم القوة العسكرية إلا للدفاع عن المصالح الأمريكية.

إذن بايدن وفق توجهات الحزب الديمقراطي وممارساته السياسية، وأفكاره التي طرحها في البرنامج الانتخابي، يمكن أن تصنف أفكاره ضمن توجهات او أفكار المدرسة الويلسونية المثالية، و التي تؤمن بضرورة وجود سياسة خارجية أمريكية نشطة تسعى إلى نشر وترسيخ المبادئ الليبرالية الديمقراطية في العالم، والدفاع عن حقوق الإنسان، والتعاون مع المجتمع الدولي من خلال تفعيل دور المؤسسات الدولية، وترى أن على الولايات المتحدة الأمريكية التزام أخلاقي لنشر القيم الأمريكية في أنحاء العالم، وذلك عبر تدعيم أسلوب الإرساليات المثالية التي تبشر بعالم ديمقراطي ومجتمع دولي مسالم، وترى أن الدول كلها متساوية فيما بينها أمام القانون الدولي، وتتفق هذه المدرسة مع المدرسة الهاملتونية الواقعية من ناحية ضرورة وجود سياسة خارجية نشطة وشاملة تهدف إلى نشر وترسيخ المبادئ الديمقراطية في كل أنحاء العالم، عوضاً عن تنمية المصالح الذاتية وجيش أمريكي قوي والنظر بواقعية الى مهددات الأمن الوطني الأمريكي وكيفية التعامل معها.

برنامج بايدن الانتخابي على الصعيد الخارجي (السياسة الدولية).

يرتكز جو بايدن في أفكار للسياسة الخارجية، والتي تمثلت برنامجه الانتخابي حول فكر رئيسة وهي (ضرورة القيادة الأمريكية) وفي هذا الإطار يرى بايدن بأنه لابد للولايات المتحدة من قيادة العالم، وهو أمر ضروري وأن ما تمتلكة الولايات المتحدة من عوامل قوة تفوق كل الدول وتكمن هذه العوامل أولاً وقبل كل شيء في اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية الديناميكي، والجيش الذي لا نظير له، والقيم العالمية، (فقوتنا الاقتصادية وريادة ابتكاراتناً في العالم، مدعوماً بسيادة القانون، وأرقى جامعات الأبحاث، وثقافة لا مثيل لها لريادة الأعمال)، كلها جعلت الولايات المتحدة تجمع الاستثمارات الذكية إلى جانب البراعة الأمريكية مركزاً لثورة طاقة عالمية، سواء في مصادر الطاقة المتجددة أو في الوقود الأحفوري، كل هذه النقاط القوة الأساسية ساعدت الولايات المتحدة في  توسيع وتحديث شبكة التحالفات والشراكات التي لا مثيل لها في العالم وتضمينها في نظام دولي أوسع للقواعد والمؤسسات.

فبايدن يرى أن الولايات المتحدة هي أفضل مكان للشركات للاستثمار في جميع أنحاء العالم، والوجهة الأولى للاستثمار الأجنبي المباشر، وان الاقتصاد القوي هو الأساس لاستمرار جيش الوليات المتحدة الذي لا مثيل له، والذي يجعل  امريكا مستمرة في التفوق على منافسينا حسب تعبيره، كذلك يرى بايدن إن شبكة الحلفاء والشركاء للولايات الممتدة منقطعة النظير، ضاعفت قدرتها على القيادة، وان معالجة المشكلات العالمية عن طريق العمل الجماعي من تنظيم داعش إلى إيبولا إلى تغير المناخ، بنفس القدر من الأهمية كان التزام الولايات المتحدة بتقوية النظام الدولي المفتوح.

وبذلك يرى بايدن  نتيجة لإمكانيات الولايات المتحدة الأمريكية المادية والمعنوية المتمثلة بقيم الولايات المتحدة  وقوتها الاقتصادية والعسكرية و قوة اتساع شبكة حلفائها لا يوجد بلد في وضع أفضل من الولايات المتحدة لقيادة العالم في القرن الحادي والعشرين.

وعلى هذا الأسس فكر بايدن بضرورة قيادة الولايات المتحدة للعالم لأنها قادر لما تمتلكه من إمكانيات وقدرات على جميع المستويات، فانه يتخذ عقيدة له خاصة للتعامل مع قضايا السياسة الخارجية ولهذه العقيدة حسب وجهة نظر بايدن أربعة اركان رئيسة:

  1. لا تستخدم القوة إلا إذا كانت مهمة ومستدامة و تقدم نتيجة حتمية.
  2. دعم وتعزيز التحالفات الدولية والإقليمية، وبناء المصالح المشتركة حول القضايا ذات الاهتمام العالمي بين شركاء امريكا من اجل الحفاظ على الشركات والمصالح الدولية المشتركة.
  3. التفكير في الاستجابات النسبية للتهديدات، اي ضرورة أعادة النظر وردة الفعل على التهديدات التي تواجه الأمة الأمريكية وتشكل خطر على مصيرها، إذا يرى بايدن ان التهديدات الوجودية الحقيقية التي تواجه الأمة  ليس إرهاباً، حتى بوجد تنظيم داعش الإرهاب كتهديد حقيقي، لكنه  ليس تهديداً وجودياً لوجود الولايات المتحدة الأمريكية، بل التهديد يأتي من وجود الأسلحة النووية الواسعة الانتشار، والصراع النووي غير المقصود الذي ينفجر مع قوة نووية أخرى مثل روسيا أو الصين، كوريا الشمالية ، وباكستان.
  4. العلاقات والجانب الشخصي لصنع السياسة الخارجية مع الحلفاء والأعداء.

يتخذ جو بايدن من أخطاء أدارة  ترامب حسب تعبيره منطلقاً لبرنامجه الانتخابي لعام 2020، ويعدّ هذا البرنامج كردة فعل على الإدارة السيئة لترامب في قضايا السياسية الخارجية التي أفقدت الولايات المتحدة هيبتها، ومن جانب اخر كانت اغلب أفكار بايدن التي تمثلت في البرنامج الانتخابي بشأن السياسية الخارجية تمثل توجهات الحزب الديمقراطي ومداسه الفكرية التي يعتنق أفكارها (المثالية – الواقعية) في السياسة الخارجية.

ومن اجل مواجهة تلك المخاطر يطرح بايدن خطة في برنامجه الانتخابي التي مثلت توجهات في السياسة الخارجية حملت تلك الخطة عنوان (مثلٌ او أنموذج القوة الأمريكية: خطة بايدن لقيادة العالم الديمقراطي لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين) تكمن جوهر فكرة جو بايدن للسياسة الخارجية الأمريكية باستعادة القيادة الكريمة في الداخل والقيادة المحترمة على المسرح العالمي، اي يبدأ في خطته باصلاح الديمقراطية الأمريكية من الداخل للانطلاق نحو القيادة العالمية، لانه يرى ان الداخل والخارج الأمريكي مرتبطان ارتباطًا وثيقاً، فبايدن يرى:( انه سيعمل على تعزيز الأمن والازدهار والقيم في الولايات المتحدة من خلال اتخاذ خطوات فورية لتجديد ديمقراطيتنا وتحالفاتنا، وحماية مستقبلنا الاقتصادي، ومرة ​​أخرى تضع الولايات المتحدة على رأس الدول لتقود العالم لمواجهة التحديات العالمية الأكثر إلحاحا).

اما اهم أفكار بايدن بشأن مجموعة من القضايا في السياسة الخارجية التي تجسدت في برنامجه الانتخابي تتمثل بالاتي:

  • الصين

يرى بايدن ان الولايات المتحدة والصين تمتلكان أكبر اقتصاديين في العالم، لذا فإن مصائر البلدين متشابكة بشكل حتمي، وسيكون مسار علاقتنا من خلال التعاون المعزز والمنافسة المسؤولة، لقد وجدنا أرضية مشتركة مع بكين وحققنا تقدماً تاريخياً في معالجة التحديات العالمية مثل تغير المناخ والأمراض الوبائية والفقر والانتشار النووي، وفي الوقت نفسه  وقفنا بحزم بشأن قضايا مثل حقوق الإنسان والملكية الفكرية وحرية الملاحة، سيزداد عمل التوازن هذا صعوبة، ويرى بايدن كذلك ان صعود الصين تحدٍ خطير، وان ممارساتها التجارية مسيئة لامريكا، وانها إذ استمرت في صعودها الاقتصادي والتكنولوجي قد تتقدم على الولايات المتحدة في التقنيات الجديدة ، وإن نهج المواجهة للرئيس دونالد ترامب يؤدي إلى نتائج عكسية ويقود الى ان ينفر الحلفاء الذين ينبغي تجنيدهم في جبهة واسعة للضغط على بكين.

وإن التعريفات الكمركية العامة لترامب مع بكين خاطئة و تهزم نفسها بنفسها، وبدلاً من ذلك لابد من الانتقام المستهدف ضد الصين باستخدام قوانين التجارة الحالية وبناء جبهة موحدة من الحلفاء، ولا بد من الحذر من أن الصين لانها تقوم باستثمارات ضخمة في الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا التي تهدد بترك الولايات المتحدة وراءها.

و يتعهد بايدن في حال انتخابه كرئيس بالعمل على إعادة تنشيط الولايات المتحدة كقوة في المحيط الهادئ من خلال زيادة الوجود البحري للولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وتعميق العلاقات مع دول من بينها أستراليا واندونيسيا واليابان وكوريا الجنوبية لتوضيح لبكين أن واشنطن لن تعود  الى الأسفل، و أن العالم الحر يجب أن يتحد في مواجهة استبداد التكنولوجيا الفائقة في الصين وان على واشنطن تشكيل القواعد والأعراف، والمؤسسات التي ستحكم الاستخدام العالمي للتكنولوجيات الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي، كذلك يرى بادن ان الفساد في الصين والانقسامات الداخلية يؤشران على انهم ليسوا المنافسين بالنسبة لنا، و أن احتجاز الصين لأكثر من مليون مسلم في منطقة شينجيانغ هو غير مقبول وعلى  الولايات المتحدة تدعم العقوبات ضد الأفراد والشركات المشاركة بانتهاك حقوق الإنسان، وكذلك العمل على إدانتها في مجلس الأمن للأمم المتحدة.

  • روسيا.

يرى بايدن بأنه ينبغي للولايات المتحدة أن تواصل مع روسيا اتباع سياسة تجمع بين الحاجة الملحة للردع  من جهة، والسعي الحكيم للتعاون التكتيكي والاستقرار الاستراتيجي من ناحية أخرى، ويرى بايدن ان محاولة روسيا لضم شبه جزيرة القرم هو امر غير قانوني، وان عدوانها المستمر على شرق أوكرانيا هو انتهاك للمبادئ الأساسية لنظام ما بعد الحرب الباردة المتمثلة بالسيادة وحرمة الحدود في أوروبا ورداً على ذلك حشدنا حلفائنا في أوروبا وأماكن أخرى لفرض تكاليف حقيقية على روسيا، موضحين أن هذا الضغط سيستمر حتى تلتزم روسيا بالتزاماتها بموجب الاتفاقات التي تم التوصل إليها في مينسك والتي تهدف إلى إنهاء الصراع، وفي الوقت نفسه  فإن الجمع بين مبادرة الطمأنينة الأوروبية التي تبلغ قيمتها 3.4 مليار دولار أمريكي وعمليات الانتشار الجديدة لحلف الناتو في بولندا ودول البلطيق سيعزز حلفائنا الأوروبيين وسيوفر حصناً ضد المزيد من العدوان الروسي لسنوات قادمة، الولايات المتحدة ستحث أوروبا على إنفاق المزيد من الأموال على الدفاع وتنويع مصادر الطاقة من أجل تقليل قابليتها للإكراه الروسي واحتكار مصادر الطاقة، من جانب اخر ان الاستثمار في المؤسسات الأساسية لأوربا لا يتطلب العودة إلى التفكير البسيط في الحرب الباردة، بل يجب أن تظل الولايات المتحدة منفتحة للتعاون مع روسيا إذ تتداخل مصالحنا كما أظهرنا مع الاتفاق النووي الإيراني، وكذلك مع اتفاقية ستارت الجديدة بشأن الأسلحة النووية، وضرورة التعاون مع روسيا في انهاء الحرب في سوريا .

  • الشرق الأوسط .

 شارك بايدن كعضو في مجلس الشيوخ ونائب الرئيس في تشكيل الدبلوماسية الأمريكية والسياسة العسكرية عبر الشرق الأوسط لحقبة طويلة، وكمرشح للرئاسة 2020 يضع خبرته في التعامل مع ملف العراق، وإسرائيل، وسوريا، وإيران، وغيرها من الدول والقضايا في المنطقة، سنتطرق الى أرائه فقط بشان الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وأرائه بشأن كل من تركيا، والمملكة العربية السعودية وسوريا، وموقفه حول العراق  سنعرضها في فقرة موقفه من الجماعات المسلحة.

كان بايدن مؤيداً قوياً لإسرائيل طوال حياته السياسية، ووصف نفسه بأنه صهيوني، ولديه التزام قوي بأمن إسرائيل، لكنه يمارس الضغط على كل الحكومات الإسرائيلية من اجل تحقيق السلام مع الفلسطينيين، كما إنه يدعم حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وينتقد نهج ترامب الأحادي الذي دعم الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين وجعل المفاوضات أكثر صعوبة، لكن يدعم بايدن إبقاء السفارة الأمريكية في القدس بعد أن نقلها ترامب هناك في 2018، كما يقول بايدن إن على إسرائيل أن توقف النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة وأن تقدم المزيد من المساعدة لغزة ، في حين يتعين على القادة الفلسطينيين أن يوقفوا تمجيد العنف والسعي الى استعماله في حل قضيتهم، كما يدعوا الدول العربية إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

اما موقف بايدن من الملف السوري فيرى ان سحب ترامب للقوات الأمريكية من شمال سوريا هو خيانة للأكراد و أكثر شيء مخجل فعله أي رئيس في التاريخ الحديث فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية حيال القضية الكردية، لان اكراد سوريا كانوا حلفاء لأمريكا في مقاتلة تنظيم داعش الارهابي، ويرى بايدن إن تركيا يجب أن تدفع ثمناً باهظاً لحملتها العسكرية في الأراضي الكردية السورية، ويعرب عن قلقه حيال إبقاء الولايات المتحدة الأسلحة النووية في تركيا، ويقترح دعم أقوى للمعارضة الداخلية للرئيس التركي رجب طيب اردوغان.

اما بشأن ملف المملكة العربية السعودية يرى بايدن بضرورة إعادة تقييم لدعم الولايات المتحدة للمملكة العربية السعودية في أعقاب مقتل الصحفي جمال خاشقجي، والحرب التي قادتها السعودية في اليمن، والانتهاكات المحلية لحقوق الإنسان، على الرغم من أن إدارة أوباما دعمت الحرب السعودية في اليمن ، إلا أن بايدن يقول إن على الولايات المتحدة إنهاء مشاركتها في الصراع الذي لا يمكن الفوز به، ويقول أيضاً إنه سيوقف مبيعات الأسلحة إلى المملكة وسيعامل المملكة على أنها منبوذة على المسرح العالمي، ولا بد الإشارة الى ان بايدن كان معارض باستمرار لسياسات المملكة السعودية، ففي عام 2014 ألقى باللوم على السعودية وحلفائها للسماح لهم بتدفق الموارد إلى تنظيم داعش.

 لابد الإشارة هنا أيضاَ ان المملكة العربية السعودية حليف استراتيجي مهم للولايات المتحدة الأمريكية في الخليج ولا يمكن الاستغناء عنه او الضغط عليه لاتخاذ سياسات معينه وخاصة مع وجدود شخصية قوية مثل محمد بن سلمان، وكذلك من غير الممكن الامتناع عن بيع الأسلحة للمملكة لانها قد تغير وجهتها في التسلح نحو روسيا او فرنسا وهذا الامر قد يضر بشركات السلاح الأمريكية وقد تؤثر تلك الشركات على بايدن لما تمتلكه من لوبي ضخم داخل الولايات المتحدة، كذلك هنالك ملف شائك من العلاقات الاقتصادية والاستثمارات بين امريكا والسعودية لا يمكنه فصله بسهولة، وبالتالي لا يبدو انه من الممكن لبايدن ان يضحي بتلك المصالح والموال الضخمة، وهذه التصريحات مجرد أفكار وبرامج انتخابية.

 

  • سياسية الدفاع الأمريكية، وحلف الناتو .

تكمن جوهر فكرة بايدن في ان استعمال القوة العسكرية في الخارج سيقتصر على بعض التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج ومعارضة اي تدخلات خارجية ان لم تكن للدفاع عن المصالح الحيوية للبلاد، وعندما يكون الهدف التي تستخدم من اجله القوة العسكرية واضح وقابل للتحقيق، ولا يمكن استخدام القوات العسكرية في تغير الأنظمة الشمولية ونشر الديمقراطية، ولا يرغب بايدن بالقيام باي عمل انفرادي عسكري على الساحة الدولية، ويؤكد على أهمية الدبلوماسية والعمل من خلال التحالفات والمؤسسات العالمية، لكن يرى بان هناك استثناء في استخدام القوة العسكرية حينما يحتم الواجب الأخلاقي ومصلحتها في الامن الدولي على الولايات المتحدة الرد باستخدام القوة العسكرية على اي إبادة جماعية أو استخدام أسلحة بيولوجيا او كيميائية في جميع أنحاء العالم. كما أنه يفضل استخدام القوة لتجنب تعطيل تجارة النفط العالمية، ويرى بايدن أيضاً بأن الإنفاق العسكري يجب ان لا يركز بشكل كبير على الحروب التقليدية بدلاً من المجالات الناشئة للدفاع مثل الفضاء والفضاء الإلكتروني، وعلى الولايات المتحدة أن تسعى للحفاظ على تفوقها العسكري وسط عودة إلى منافسة القوى العظمى مع الصين وروسيا.

 اما عن توجهات بايدن لحلف الناتو يرى ان من الضرورة دعم حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقوة، وهو التحالف العسكري الوحيد الأبرز في تاريخ العالم، وهو الأساس الذي مكننا من الحفاظ على السلام والاستقرار على مدى الـ70 عاماً الماضية، إنه جوهر أمننا الجماعي، والأساس الذي تمكنت الولايات المتحدة من خلاله ممارسة مسؤولياتها في الأنحاء الأخرى من العالم ، كذلك يجب على جميع الدول في الحلف الالتزام بمخرجات قمة ويلز التي لها أهداف كمية ونوعية على الحلفاء للوفاء بها بحلول عام 2024 وكلاهما مهم لتقوية الحلف ، ويجب على الحلفاء الوفاء برفع التزامهم الحالي بما لا يقل عن 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي  مقابل الدفاع عنهم في منظومة الحلف.

  • التطرف العنيف .

يرى بايدن ان الإرهاب والتطرف العنيف ربما يمثلان القضية الأكثر إرباكاً كخطر شديد عابر للحدود يتطلب قيادة أمريكية مستدامة، إذ تمثل القاعدة وداعش وفروعهم تهديدات حقيقية، (وقد ذكّرتنا الهجمات في باريس وسان برناردينو وبروكسل وأورلاندو وإسطنبول وأماكن أخرى مراراً وتكراراً بأن الإرهاب يمكن أن يحدث في أي مكان وفي اي الوقت، حتى إذ ساد مناخ من الخوف وعدم اليقين حول الإرهاب الدولي يجب أن نتذكر أنه لا يمكن للإرهابيين تدمير الولايات المتحدة فيمكن تصنفها إنها تهديدات مهمة لكنها ليست وجودية، إذن علينا ان نفكر بعناية في استخدام القوة لأننا نتفهم التكاليف البشرية الهائلة والعواقب غير المتوقعة للحرب فيجب أن نضمن أنه عندما نستخدم القوة أنها فعالة، وأن النجاح في ساحة المعركة لن يستمر إذا تجاوز التدخل العسكري الأمريكي التطورات السياسية على الأرض أو قدرة الشركاء المحليين على السيطرة على أراضيهم، وبالتالي سيتطلب الانتصار الدائم ضد القاعدة و داعش قوى محلية قابلة للحياة للسيطرة على المناطق المحررة ، وإعادة بناء المجتمعات المحطمة، والحكم بشكل فعال).

ويذكر بادين ان القوات الأمريكية قامت في العراق وسوريا ببناء تحالف مكون من 66 عضواً لتدريب القوات المحلية ، وقمنا بتزويد المجتمعات المتضررة بالمساعدة الإنسانية ،و لقد نشرنا قوات عمليات خاصة، واعتبارًا من يوليو/تموز 2016 ، شن تحالفنا أكثر من 13000 غارة جوية لدعم القوات البرية العراقية من خلال تعزيز تبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون في إنفاذ القانون ، وعملنا مع شركائنا العراقيين لتحسين أمن حدودهم ، والحد من تدفق المقاتلين الأجانب إلى العراق وسوريا بنسبة 50 في المائة ، وخنق تمويل داعش، والنتيجة كانت خسر داعش دولتها المزعومة، ونحن نعمل مع المجتمع الدولي لتقديم مليارات الدولارات من المساعدات الإنسانية للنازحين في العراق وسوريا واللاجئين في جميع أنحاء المنطقة ومليارات أخرى لتحقيق الاستقرار وإعادة بناء المجتمعات المحررة من داعش، نحن منخرطون على أعلى المستويات في العراق لتشجيع المزيد من الوحدة السياسي والمصالحة المشتركة، ونحن نسعى بقوة إلى تسوية دبلوماسية لتحقيق انتقال سياسي في سوريا - لأنه لا يوجد فقط حل عسكري للصراع ؛ كما أنه لا توجد طريقة لإنهائها طالما ظل بشار الأسد في السلطة.

ويرى بايدن انه لابد من الإشارة الى انه حتى وان انهزم داعش، سيستمر التحدي الجهادي ومن المحتمل أن تستمر الحركات الجهادية العنيفة الأخرى ذات المشاريع المحلية سواء كانت تمثل داعش او غير داعش في استغلال الأماكن غير الخاضعة للحكم وتهديد الاستقرار في الدول الرئيسة، ويرى بايدن ايضاً ان مواجهة التنظيمات الجهادية التكفير مستقبلا بعد هزيمة داعش يحتم علينا استخدام قوتنا بطريقة ذكية ومستدامة وشاملة، اي ان محاربة الشبكات الإرهابية في الدول الأجنبية لابد ان يكون باستخدام مجموعات صغيرة من القوات الخاصة الأمريكية والضربات الجوية الهجومية بدلاً من نشر القوات الكبيرة، وسيتطلب هذا التطبيق المنضبط التعاون بين القوة العسكرية والاستخباراتية والدبلوماسيون والمتخصصون في التنمية، وسيتطلب العمل مع الشركاء المحليين والمجتمع الدولي لتحسين الحكم في الدول الهشة والفاشلة، وستتضمن مواجهة الأيديولوجيات المتطرفة على الإنترنت، لكن هذه الحملة الشاملة ضد التطرف العنيف لن تنجح إلا إذا تم تنفيذها بطريقة تتوافق مع قيمنا وكسب ود  1.5 مليار مسلم في العالم ومنهم الغالبية العظمى يرفضون وجهات النظر السلفية الجهادية، نحن نعلم أن القاعدة وداعش وأمثالهم يريدون صنع صدام بين الحضارات و تقسيم العالم الى صليبيين ومسلمين وهذا منافي الى قيمنا قيم التعايش السلمي.

إذن بايدن يؤمن وفق هذه الأفكار ان الحرب مع التنظيمات الجهادية لا تنتهي، وان الولايات المتحدة لا تقوم بأي حرب ضد أي تنظيم جهادي بشكل فردي بل لا بد من شراكة مع المجتمع الدولي لمواجه أي تهديد إرهابي، والاهم من ذلك هو قدرة البلد الذي يتعرض لهجمات تلك التنظيمات على الاستعداد لتقديم المساعدة للتحالف الدولي، و قدرته على النهوض بنفسه بعد تخليصه من الإرهاب، لان الولايات المتحدة غير مستعدة ان تقوم بأي عمل ضد اي تنظيم إرهابي لا يمثل الاستدامة وجني الثمار على المستوى البعيد، وهي غير راغبة في الدخول بحروب طويلة حروب استنزاف مع هذه التنظيمات.

و في الختام يمكن القول إذا ما فاز بايدن في الانتخابات يمكن التبؤء بتصرفاته على وفق مجموعة من المعطيات السابقة مثل توجه الحزب الديمقراطي في السياسية الخارجية والبرنامج الانتخابي الذي وعد بتطبيقه، وشخصية بايدن وارثه في السياسة الخارجية، وبذلك يمكن الإشارة إلى مجموعة من الامور أهمها التالي:

  1. سيركز بايدن على الأداة الدبلوماسية في السياسية الخارجية ولا يستخدم القوة العسكرية إلا عند تهديد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وإذ استخدمها ستكون مجرد تدخلات بالقوات الخاصة والطائرات بدون طيار ولأوقات قصيرة جداً.
  2. يشخص بايدن ان تهديد الولايات المتحدة متمثل بالصين وروسيا وإيران، وبالتالي سيعمل بالضغط على هذه الدول بالطرق الدبلوماسية والإجماع الدولي لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة الصين لأنه يرى فيها المنافس الحقيقي الصاعد للولايات المتحدة الأمريكية ولابد من احتوائها.
  3. سيعود ليفاوض ايران على برنامجها النووي، لكنه مؤمن بالعقوبات الاقتصادية التي تفرض على ايران في حالة رفضها وإنها تأتي ثمارها.
  4. سيقوم بدعم العراق لمواجهة داعش ، لكن يشترط موافقة الحكومة العراقية والشركاء الدوليين للقيام بالإعمال العسكرية والاستخباراتية، وجدية العراق بإنهاء التنظيم وبناء عراق آمن بعيد عن الطائفية والتدخلات الخارجية.
  5. ستعود الولايات المتحدة إلى اغلب المنظمات الدولية التي خرجت منها في زمن ترامب.
  6. أبقاء النهج السياسي في العلاقة مع دول مجلس التعاون الخليجي ومراعاة مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، والمضي بسياسة احتواء هذه الدول إذ يمثل عنصر الطاقة التي لا يمكن الاستغناء عنه في الوقت الحاضر.
  7. سيسعى بايدن لأن يضع حداً لأشكال التدخلات التركية في كل من سوريا والعراق وليبيا وشرق المتوسط وأفريقيا، خصوصاً تلك الأدوات التي تستخدمها سلطة أردوغان للهيمنة، عبر تشييد ونشر التنظيمات الموالية له، واستخدامها في مناطق الصراعات التي تخوضها تركيا، بل ان بايدن يصرح بانه سيدعم المعارضة التركية ضد حزب العدالة والتنمية و اردوغان.