كلا ، فايروس كورونا لن يُغير النظام العالمي / مقال مترجم

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2020-07-07 19:55:06

الكاتب: جوزيف ناي

مكان النشر: فورن بوليسي

تاريخ النشر: 16/4/2020

ترجمة: د. طارق محمد ذنون الطائي/ مدرس الاستراتيجية والعلاقات الدولية

 

        يجب أن يكون لدينا شك حول الادعاءات القائلة بأن الوباء سيُغير كل شيء. الصين لن تستفيد، وستبقى الولايات المتحدة متفوقة.

     كيف سيعيد فايروس كورونا تشكيل السياسة الجغرافية؟ يتوقع العديد من المحللين نهاية حقبة العولمة التي ازدهرت في ظل قيادة الولايات المتحدة منذ عام 1945. يرى البعض بان هنالك نقطة تحول تتجاوز فيها الصين الولايات المتحدة  بوصفها قوة عالمية. بالتأكيد، ستكون هناك تغييرات، ولكن يجب على المرء أن يحذر من الافتراض القائل  بأن الأسباب الكبيرة لها آثار كبيرة.

     على سبيل المثال، تسببت جائحة إنفلونزا( 1918-1919 ) في قتل عدد من الناس أكثر بكثير من الحرب العالمية الأولى، ولكن التغييرات العالمية الدائمة التي ظهرت فيما بعد، على مدى العقدين التاليين، كانت نتيجة للحرب، وليس المرض.

      العولمة  أو (الاعتماد المتبادل عبر القارات) هي نتيجة للتغيرات في مجال تكنولوجيا النقل والاتصالات، ومن المحتمل عدم تتوقف هذه التغيرات. بعض جوانب العولمة الاقتصادية مثل التجارة ستشهد تقلصاً، ولكن التدفقات المالية ستكون أقل من ذلك. وبينما تتأثر العولمة الاقتصادية بقوانين الحكومات، فإن الجوانب الأخرى للعولمة مثل الأوبئة وتغير المناخ تحددها القوانين البيولوجية والفيزيائية. لن توقف الجدران والأسلحة والتعريفات الجمركية آثارها العابرة للحدود، على الرغم من ان الركود الاقتصادي الكبير والمستمر سيجعلها بطيئة.

       لقد شهد هذا القرن ثلاث أزمات خلال عقدين من الزمن. لم تقتل هجمات الحادي عشر من ايلول الإرهابية الكثير من الناس - ولكن مثل الجوجيتسو(المصارعة اليابانية)، فإن الإرهاب لعبة يمكن للاعب الأصغر فيها استخدام صدمة الرعب لخلق تأثير غير مناسب على ترتيبات الخصم. كانت السياسة الخارجية الأمريكية منحرفة بعمق "نتيجة الخيارات التي تم تبنيها في حالة من الذعر"، وقادت إلى حروب طويلة في أفغانستان والعراق. الصدمة الثانية، الأزمة المالية لعام 2008، أدت الى الركود الكبير، وظهور الشعبوية في الديمقراطيات الغربية، وعززت من الحركات الاستبدادية في العديد من البلدان. كما تتناقض حزمة الحوافز الصينية الضخمة والسريعة والناجحة مع الاستجابة الغربية المتخلفة، مما دفع الكثيرين للتنبؤ بأن الصين في طريقها لتصبح رائدة الاقتصاد العالمي.

      الاستجابات الأولية للأزمة الثالثة في هذا القرن، والمتمثلة في فايروس كورونا، جرت في المسار الخاطئ. بدأ كل من الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالإنكار والتضليل. أضاع التأخير والتعتيم الزمن اللازم للاختبار  الطبي واحتواء الفايروس، وتبديد فرصة التعاون الدولي. بدلاً من ذلك، وبعد فرض عمليات الإغلاق المكلفة اقتصادياً، دخل أكبر اقتصاديّن في العالم في معارك دعائية. اذ ألقت الصين باللوم على الجيش الأمريكي في وجود الفيروس في ووهان، وتحدث ترامب عن "الفيروس الصيني". إن الاتحاد الأوروبي، الذي يبلغ حجم اقتصاده تقريباً حجم الولايات المتحدة، يرتجف في مواجهة الانقسام الاوروبي. ومع ذلك، لا يمكن للفيروس أن يهتم بالحدود أو بجنسية ضحاياه.

     لقد أضرت عدم الكفاءة في الاستجابة بقوة الولايات المتحدة الناعمة وسمعتها. وقدمت الصين المساعدة، وتلاعبت بالإحصائيات لأسباب سياسية، ودخلت في دعاية قوية - كل ذلك بهدف تحويل فشلها المبكر إلى رد كريم على الوباء. ومع ذلك، تم التعامل مع الكثير من الجهود التي قامت بها بكين لاستعادة قوتها الناعمة بالتشكيك في أوروبا وأماكن أخرى. وذلك لأن القوة الناعمة تعتمد على الجاذبية. الدعاية الافضل هي التي تكون أمرا" واقعيا" وليس مجرد دعاية.

      في القوة الناعمة، تبدأ الصين من موقع ضعيف. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت منذ أن أعلن الرئيس السابق هو جينتاو عن هدف زيادة القوة الناعمة للبلاد في المؤتمر الوطني السابع عشر في عام 2007 ، فقد وضعت بكين عقباتها الخاصة لاسيما من خلال اثارة النزاعات الإقليمية مع الدول المجاورة وإصرارها على السيطرة القمعية للحزب، مما يمنع الكشف عن المواهب الكاملة للمجتمع بالطريقة التي تحدث في المجتمعات الديمقراطية. ليس من المستغرب بأن استطلاعات الرأي العام العالمي، وتصنيفات مثل مؤشر "القوة الناعمة 30" تحتل فيها الصين مرتبة منخفضة في القوة الناعمة. وتحتل الديمقراطيات المراكز العشرين الأولى في المؤشر.

      في ظل القوة الصلبة أيضاً، التوازن لصالح الولايات المتحدة لن يُغيره الوباء. لقد تضرر الاقتصاد الأمريكي والصيني بشدة على حد سواء، مثلما حدث مع الاقتصاديات الأوروبية والشرق اسيوية الحليفة للولايات المتحدة. قبل الأزمة، كان الاقتصاد الصيني قد نما إلى ثلثي حجم الولايات المتحدة (قياساً بمعدلات التبادل)، ولكن الصين دخلت الأزمة مع تباطؤ في معدل النمو وتراجع الصادرات. ورغم ان بكين تستثمر أيضاً بشكل كبير في القوة العسكرية، لكنها لا تزال بعيدة جداً عن الولايات المتحدة، وقد تبطئ استثماراتها العسكرية في سياق الميزانية العدائية. من بين الأشياء الأخرى التي كشفتها الأزمة هي حاجة الصين إلى نفقات كبيرة نتيجة عدم كفاءة نظامها للرعاية الصحية.

     فضلاً عن ذلك، تتمتع الولايات المتحدة بمزايا جيوسياسية، والتي ستستمر على الرغم من الوباء. أولها هي الجغرافيا: اذ تحدها المحيطات وجيرانها من الاصدقاء، في حين أن الصين لديها نزاعات إقليمية مع بروناي والهند وإندونيسيا واليابان وماليزيا والفلبين وتايوان وفيتنام. الميزة الثانية هي الطاقة: لقد حولت ثورة النفط والغاز الصخري، الولايات المتحدة من مستورد للطاقة إلى مصدر لها. من ناحية أخرى، تعتمد الصين بشكل كبير على واردات الطاقة التي تمر عبر الخليج العربي والمحيط الهندي، التي تتمتع فيها الولايات المتحدة بالتفوق البحري.

      تتمتع الولايات المتحدة أيضًا بمزايا ديموغرافية: على مدى العقد والنصف القادم، وفقًا لبحث أجراه أديل هيوتين من جامعة ستانفورد، فانه من المرجح أن تنمو القوى العاملة الأمريكية بنسبة (5 %)، بينما ستتقلص الصين بنسبة (9%)، ويرجع ذلك بشكل رئيس إلى "سياسة الطفل الواحد" السابقة. بلغ عدد السكان في سن العمل في الصين ذروته في العام 2015، وسوف تتخطى الهند في القريب العاجل الصين، بوصفها أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان. وبنا حاجة الى التاكيد بأن القوة الأمريكية تُهيمن على التعليم العالي نتيجة مكانتها في طليعة تطوير التقنيات الرئيسة بما في ذلك التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا النانو وتكنولوجيا المعلومات، وجامعات الأبحاث الأمريكية والغربية الأخرى،.

       تستخدم بكين هذا الوباء لتحقيق الانقسام بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، ولتعزيز حربها الدعائية ضد الولايات المتحدة.

      كل ما تقدم،  يشير إلى أنه من غير المرجح أن يؤدي فايروس كورونا الى نقطة تحول جيوسياسية. ولكن في الوقت الذي ستستمر الولايات المتحدة في الاحتفاظ بمعظم الأوراق المهمة، فإن القرارات السياسية المضللة قد يجعلها تلعب هذه البطاقات بشكل سيئ. إن التخلص من التحالفات والمؤسسات الدولية يمثل أحد القرارات الخاطئة. والقرار الآخر سيكون التقييد ​​الصارم للهجرة. وقبل هذه الأزمة بوقت طويل، عندما سألت رئيس الوزراء السنغافوري السابق لي كوان يو: لماذا لا يعتقد بأن الصين ستتفوق على الولايات المتحدة كقوة عالمية في القريب العاجل؟، فان أحد الأسباب التي استشهد بها هي قدرة الولايات المتحدة على الاستفادة من مواهب العالم كله وإعادة تجميعهم في مجال التنوع والإبداع. ونظرًا لقومية هان العرقية، سيكون هذا النوع من الانفتاح مستحيلاً في الصين. ولكن إذا دفعت الشعبوية الولايات المتحدة إلى التخلص من أوراقها الثمينة لاسيما التحالفات والمؤسسات الدولية  والانفتاح، فانه قد يكون لي كوان يو على خطأ.

      بدلاً من ذلك، قد تأخذ إلادارة ألامريكية الجديدة مرتكزاتها من الرؤساء الأمريكيين بعد العام 1945 الذين وصفتُ نجاحاتهم في كتابي الموسوم (هل تعد الاخلاق مسألة مهمة؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من روزفلت إلى ترامب). يمكن للولايات المتحدة أن تطلق برنامج مساعدات شاملة تتعلق بفايروس كورونا، الذي يمكن ان يمثل النسخة الطبية من مشروع مارشال. وكما تحدث وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر مؤخراً بانه يجب على القادة اختيار مسار التعاون الذي يؤدي إلى المرونة الدولية. وبدلاً من التنافس في الدعاية، يُمكن للقادة التعبير عن أهمية القوة مع الآخرين بدلاً من حسابها ضد الآخرين، ووضع أطر ثنائية ومتعددة الأطراف لتعزيز التعاون. يجب على الدول الغنية أن تدرك أن موجات فايروس كورونا المتكررة ستؤثر على الدول الأكثر فقراً والأقل قدرة على التأقلم، وأن مثل هذا الحجم في العالم النامي سيؤذي الجميع إذ امتد شمالاً في عودة موسمية.  لقد كان الأمر كذلك في عام 1918، لا سيما عندما قتلت الموجة الثانية للوباء عدداً أكبر من الأشخاص من الموجة الأولى. يجب على الولايات المتحدة ولأسباب ذاتية وإنسانية، قيادة مجموعة العشرين في مجال المساهمات السخية في صندوق فايروس كورونا الرئيسي الجديد المفتوح لجميع البلدان.

      إذا ما اختار الرئيس ألامريكي مثل هذه السياسات التعاونية والمعززة للقوة الناعمة، فانه قد يخرج من هذا الوباء بشيء جيد، من خلال مسار جيوسياسي نحو عالم أفضل. إذا استمرت سياسات الولايات المتحدة على المسار الحالي، فإن فايروس كورونا الجديد سيسرع ببساطة الاتجاهات الحالية نحو الشعبوية القومية والاستبدادية. ولكن لا يزال من المبكر لأوانه التكهن بنقطة تحول جيوسياسية من شأنها أن تؤدي الى تغير جذري  في علاقة القوة بين الولايات المتحدة والصين.