استراتيجية التغطية الصحية الشاملة

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2019-06-02 16:27:53

شكل التخطيط الاستراتيجي ولا يزال ركناً اساسيا في المؤسسات والمجتمعات عامة، اذ ان التخطيط عبارة عن عملية منهجية تسعى الى تحقيق تصوّر واضح حول المستقبل من اجل ترجمته وتحويله الى اهداف تعتمد على سلسلة طويلة من الخطوات، وبالتالي يعد التخطيط من اهم العمليات الادارية، وذلك بأبراز الاهداف وجعلها واضحة قابلة للتحقيق على ارض الواقع عن طريق استخدام الموارد المتاحة وتوفير قاعدة بيانات تساعد على تغيير آلية العمل عند الحاجة، كذلك تقديم وسيلة للتفكير بطرق منهجية تساعد العمل المؤسسي على تحديد اولوياته واهم العناصر التي يجب التركيز عليها لتحقيق الاهداف المنشودة عن طريق التعاون والتنسيق بين المؤسسات والجهات المعنية، وكما الحال في جميع المجالات على المستوى الفردي والمجتمعي وعلى نطاق واسع من المؤسسات والدول التي لديهم خطط استراتيجية متبعة ومن منطلق اهمية الامن الصحي الذي يعد من اهم مرتكزات الامن الوطني في المجتمع وجدت ضرورة وجود استراتيجية لغرض تطبيق التغطية الصحية الشاملة، وتبعاً للأحداث الاقتصادية الراهنة غير المستقرة والتغيرات الديموغرافية السكانية والمجتمعية والغلاء المعيشي وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية بالنسبة الى اختلاف مستويات الدخل والفرص في الحصول على الخدمات الاجتماعية، كذلك التغيرات المناخية الحاصلة في المنطقة وسهولة تفشي الامراض المعدية والغير سارية بسبب النمو السكاني المتسارع وما صاحبه من اتباع انماطاً للحياة غير صحية وتراجع الحالة الاقتصادية للكثير من الناس ودفعهم لتحت خط الفقر حيث إن ارتفاع الأمراض غير السارية يضيف الكثير إلى تكاليف الرعاية الصحية. فتكاليف رعاية مرضى السرطان، على سبيل المثال، أصبحت تتجاوز قدرة حتى أغنى دول العالم. وفي عام 2012، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على 12 دواءً لأنواع السرطان المختلفة. ومن بين هذه الأدوية التي يبلغ عددها 12 دواء، تم تسعير 11 دواءً منها بأسعار تتجاوز 100،000 دولار لكل مريض سنويا بحسب احصائية منظمة الصحة العالمية.

كذلك خلق ارتفاع تكاليف العلاج فوارق طبقية متعددة بين المستويات المجتمعية مما ادى الى خلق حالة من عدم المساواة والعدل بين شرائح المجتمع، اذ تعتبر التغطية الصحية الشاملة واحدة من اقوى العوامل لتحقيق المساواة الاجتماعية فهي تعبير عن العدالة وبالتالي سوف تسهم في تحقيق التماسك بين فئات المجتمع وتساعد في الحد من التوترات المجتمعية المصاحبة ولكن الحاصل أن عدم القدرة على حصر الأمراض  التي تترتب عادة على التقدم الاجتماعي والاقتصادي والتحضر السريع فأنه سهل انتشار انماط الحياة الغير صحية والامراض التي اضعفت الواقع الصحي وتراجعه، كذلك الاضطرابات النفسية المجتمعية والمشاكل المصاحبة لهذه الاضطرابات من ادمان مخدرات والاكتئاب الحاد والعنف الناتج عن ضعف التوعية الصحية والمجتمعية، وكل ما تم ذكره اعلاه عوامل تهدد الامن والاستقرار النفسي والصحي قبل ان يكون تهديداً مجتمعياً.

وبحسب احصائيات وبيانات قدمتها منظمة الصحة العالمية فأن نموذج سنغافورة الخاص بالتغطية الصحية الشاملة يوازن بين مزايا القدرة على المنافسة وغيرها من قوى السوق الاقتصادية على ضرورة تدخل الدولة لتوجيه هذه القوى الى الاتجاه الصحيح ولا ننسى رغبات الناس والدعم المقدم للدولة من قبلهم بجانب البحوث الاستراتيجية المقدمة من المختصين بما يؤدي الى النهوض بواقعهم الصحي وتحقيق التغطية الصحية الشاملة، حيث ان سنغافورة ابتكرت برنامج يعرف بأسم الحماية الطبية للحياة وهو برنامج يجسد مبدأ المسؤولية الجماعية من خلال تجميع المخاطر وهو بمثابة شبكة لتوفير الامان لانه يحمي الاسر من الوقوع في دوامة العوز والانهيار المالي عندما تكون تكاليف الفواتير الطبية مرتفعه، وبالطبع لايمكن تطبيق هكذا برامج الا بوجود الاعداد والتوجه المجتمعي داخل البلد بما يتماشى مع ثقافة كل بلد والمؤسسات والنظام الصحي القائم فيه، اعتمدت سنغافورة في تطبيق استراتيجيتها على انشاء مراكز صحية او عيادات في المناطق النائية والقرى البعيدة عن مركز المدينة وتزويدها بالاجهزة الطبية الحديثة والمعدات الطبية والكادر الطبي المتخصص لغرض التخفيف عن الزخم الحاصل في المستشفيات المركزية داخل مركز المدينة ولغرض القيام بواجبها بشكل كامل والضمان بأن الجميع يتلقى العناية الصحية التي تكفل للفرد حياته واحتياجاته بالشكل الذي تحميه من الوقوع تحت خط الفقر والاحتياج، وبذلك استطاعت سنغافورة من تحقيق استراتيجية تطبيق الصحة الشاملة.

 

أما مايخص الوضع في العراق فأن الوضع الصحي يواجه الكثير من التحديات منها النمو السكاني السريع التغيرات الديموغرافية السريعة، محدودية التنسيق بين الجهات المعنية بالصحة والرعاية كذلك ارتفاع تكاليف الخدمات الصحية في القطاع الخاص وضعف قدرة النظام الصحي للتصدي في حالة انتشار امراض معدية وكذلك يفتقر النظام  الى العديد من الابتكارات والبرامج الصحية للنهوض بالواقع الصحي، كانشاء مراكز صحية في الاطراف والنواحي والقرى لتخفيف الزخم الحاصل في مستشفيات مركز المدينة حيث إن هذه المراكز وان وجدت فأنها تفتقر الى وجود الموارد المادية والبشرية وكذلك الاجهزة الطبية والكادر الطبي المتخصص مما يؤدي الى اضعاف القدرة لاداء واجبهم تجاه عامة الناس وتقديم الخدمات الصحية اللازمة، استخدام التقنيات الحديثة وتطوير انظمة الحوكمة، رفع نسبة مساهمة القطاع الخاص في الانفاق على الرعاية الصحية، ولغرض تحقيق التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية بالصحة يجب ان يتفهم العاملون في الخطوط الامامية وقادة الرعاية الصحية احتياجات بعضهم البعض وبذل الجهود على المستوى التنظيمي لموائمة هذه الاحتياجات ووضع استراتيجية فعالة على مستوى النظام من خلال ادخال ابتكارات وبرامج جديدة في تقديم الرعاية الصحية ضمن اطار الموارد المتاحة والقيود التنظيمية غايتها تحقيق اهداف رئيسية هي:

  1. الانصاف في الوصول الى الخدمات الصحية لمن يحتاجون اليها وليس فقط من يستطيعون دفع تكلفتها.
  2. ان تكون هذه الخدمات الصحية ذات جودة كافية لتحسين صحة من يتلقاها.
  3. حماية الفئة السكانية الاقل دخلاً من العجز المالي الذي يمكن ان يصيبهم في حال احتياجهم الى أدنى مستوى من الرعاية الصحية.
  4. اعتماد نظام متعدد المستويات لتقديم الخدمات.

ان تجربة سنغافورة وتجارب البلدان الاخرى تبين لنا ان الصحة واحدة من اثمن السلع في الحياة ولكنها سياسية تتطلب الاستثمار، ولتحقيق هكذا تجارب فأننا نحتاج الى القيادة السياسية والالتزام، بالاضافة الى وجود لغة حوار وثقة مشتركة متبادلة بين الدولة وعامة الناس.

 

                                                                                        

وفاء فوزي

قسم الدراسات الاجتماعية