الحروب بالوكالة : دراسة في الاهداف واسلوب الادارة

التصنيف: دراسات

تاريخ النشر: 2019-05-22 20:03:41

م. د. حسن سعد عبد الحميد

مركز النهرين قسم الدراسات السياسية

 

المقدمة

أن الحروب بالوكالة ليست ظاهرة او حدث طارئ على عالم السياسة والحرب، اذ نجد لها جذراً معمراً وتاريخ قديم يعود الى أيام الامبراطوريات القديمة التي كانت تدعم بعض الجماعات (الوكلاء) لمهاجمة خصومها الاقوياء، وضرب مصالحهم السياسية والعسكرية، دون ان تضطر هي للصدام المباشر معها.

في الماضي القريب والحاضر المعاش والمستقبل المنتظر حلت وستحل الحروب بالوكالة  محل الحروب التقليدية والمواجهات العسكرية المباشرة، واعادة احياء الصراعات والنزاعات القديمة واثارتها وان طال امدها، ومتخذه بذلك صور عدة كحروب اهلية او انفصالية الخ .

في هذه الدراسة سنقدم موجزاً وصفياً دقيقاً عن الاطار المنهجي والمعرفي لحرب الوكالة، وطبيعة الادوار والمهام المنيطة للوكلاء لتنفيذها، فضلاً عن الاهداف والخصائص التي تتميز بها تلك الحرب، وكيفية ادارتها، مع الأشارة الى تبيان اسباب تحول الدول الى خوض تلك الحروب بعيداً عن اطرها التقليدية .

أولاً : مفهوم الحرب بالوكالة (Proxy war)

تشكل الحرب بالوكالة وفق العرف العسكري جاذبية استراتيجية مهمة لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة للدولة الطامعة لتوسيع نفوذها وهيمنتها على العالم . أذ ان تشابك المصالح والنفوذ في مناطق جغرافية معينة يجعل ويحفز الدول الى ان تخوض حروب بالوكالة لتحقيق مصالحها كونها (فعالة من حيث التكلفة) وعدم وجود قيود اخلاقية تحد من ذلك الفعل .

 أن الحرب بالوكالة ظاهرة منتشرة كثيراً في المنطقة العربية، فهي نوع من الحروب تستخدم فيها الدول مختلف الوسائل الاقتصادية ،السياسية ،العسكرية،القانونية،الاعلامية، وعبر خطط وسياسات مدروسة قابلة للتطبيق، بهدف تحقيق مكاسب استراتيجية عدة . حيث تلجأ الدول الى دعم مجموعات شبه عسكرية بالمساعدة المباشرة في منطقة ما، واستخدامها في تهديد دولة اخرى منافسة والضغط عليها، وعبر تزويدهم بالسلاح أو التهديد باستخدامه .

 بمعنى اخر أن الحرب بالوكالة عبارة عن دعم لمجموعات مختارة من طرف دولتين متنافستين في دولة ثالثة، وخلف نزاع حقيقي فيها من اجل تحقيق مكاسب معينة . حيث نجد ان الدولتين المتنافستين لا تنخرطان في مواجهة مباشرة، بل يعتمدان على تحريك فاعلين رئيسيين في الدولة الثالثة كالمعارضة مثلاً، والعمل على تزويدهم بالاسحلة والذخائر والمعلومات من اجل التأثير في مصالح الدولة المقابلة . ويطلق على اولئك الفاعلين الرئيسيين مصطلح الوكلاء، أي الجهة او المنظمة التي امرت للعمل لدولة او جهة ما في حروب الوكالة ضد مصالح الدولة الاخرى .

  في الحقيقة أن الحرب بالوكالة تحدث عندما تقوم قوة كبرى بتحريض أو لعب دور رئيسي في توجيه القتال في بلد ما، ولا تشارك بنفسها فيه مباشرة، الا بقدر صغير احيانا في القتال الفعلي، وذلك لدعم التوازن الهش بين قوى الدول الرسمية والقوى الوكيلة، أذ تسعى الدول الداخلة في تلك الحرب الى توجيه مسار القتال والاحداث على الارض لتحقيق اهدافها، وفي حال اخفاقها فانها تلجأ الى البحث عن وكلاء جدد الذين اخفقوا او سلكوا سلوك ومنحى مغاير عن الدولة الداعمة لهم في حرب الوكالة، وتهددهم بقطع المال والسلاح والتدريب .

 وبهذا الصدد هناك العديد من النماذج والامثلة كالحرب السورية واليمنية، او الحرب الكورية في منتصف القرن الماضي، او حروب البوسنة والهرسك، او ما جرى ويجري من احداث في ليبيا .

 وفي الواقع بدأ الاستخدام الفعلي والعملي لحروب الوكالة وعلى نطاق واسع آبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، وعجز كل طرف عن مواجهة الطرف الآخر بصورة مباشرة نظراً لامتلاكهما القوة التدميرية الشاملة، ولتجنب ذلك التدمير المتبادل انخرط الطرفات في بدائل اخرى بالصراع عبر الحرب بالوكالة، وخلق ودعم وكلائهم في مناطق التصادم والنفوذ الجغرافي والاستراتيجي في العالم، واتخذ ذلك صور دعم الحلفاء والوكلاء لتعزيز مكان نفوذهم وتوسيعها، وعبر دعم وتمويل الصراعات المحلية وتدريب المجموعات المسلحة المحلية لاطالة امد الحرب والعنف،  وانهاك الخصوم .

 وفي ظل انهيار الاتحاد السوفيتي وانفراد الهيمنة الامريكية على المسرح العالمي لم تفقد الحرب بالوكالة رونقها أو تراجعها على مسرح الاحداث، فالولايات المتحدة لا زالت توظف تلك الحرب من اجل الضغط ومحاصرة روسيا الاتحادية التي شهدت نهظة عسكرية واقتصادية هائلة، ونجد ذلك سواء في اوكرانيا او سوريا أو حتى مؤخراً وبصورة اولية في فنزويلا.

ثانياً : اهداف الحرب بالوكالة (لماذا تلجاً الدول الى خوض الحروب بالوكالة؟)

 يشير علم السياسة الى ان الحركة في المسرح الخارجي يحتاج الى فعل، وذلك الفعل يحتاج الى ادوات ووسائل وقنوات تدعمه كي يكون مؤثراً، وتلك العملية المطولة لا يتم رسمها أو التخطيط لها دون هدف او مغزى، فتحرك الدولة الخارجي تحكمه لغة المصالح والنفوذ وتحقيق اعلى المكاسب باقل التكاليف الممكنة.

هذا الاطار ينطبق على فكرة الحروب بالوكالة التي بدورها تسعى الاطراف الداخلة فيه الى تحقيق مكاسب واهداف شتى ومتنوعة، والتي يمكن ان نوجزها في :

1- تحقيق اهداف سياسية باقل التكاليف وباعلى العوائد الممكنة، ومن دون تحمل مسؤولية مباشرة عن الصراع او الصدام المباشر، مثل قلب نظام الحكم المعادي لها والاتيان بنظام سياسي جديد مؤيد لها .

2- أن التكاليف الخاصة بحرب الوكالة قليلة جداً مقارنة بالحرب التقليدية، وتعد وسيلة استثنائية في السياسة الخارجية للدول الكبرى في بلوغ اهدافهم التوسعية وعبر توظيف الحرب بشعارات براقة (حماية الاقليات،المناطق الامنة،حماية الديمقراطية وحقوق الانسان الخ) .

3- توسيع قاعدة النزاعات المسلحة على مستوى العالم واستثمارها في مجال استمرار دوران شراء الاسلحة دون توقف وتحقيق مكاسب اقتصادية .

4- تاجيج النزاعات الاقليمية في مناطق مختارة يسهم في تحقيق مكاسب دولية في مناطق صراع الاقطاب الدولية .

5- اختبار مدى استعداد الطرف المنافس نفسياً واقتصادياً وعسكرياً في خوض المعارك .

6- نشر ايديولوجيات معينة وتوسيع نطاق نفوذها والتأثير في موازين القوى العالمية .

ثالثا: خصائص الحروب بالوكالة

 أن الحرب بالوكالة هي حرب بين قوتين اجنبيتين يتقاتلان بصورة غير مباشرة على ارض دولة ثالثة، مستخدمين القوات المحلية وموارد الطرف الثالث لتحقيق اهدافهم الاستراتيجية والتوسعية . وهذا الانخراط

 في الحرب وبصورة غير مباشرة يحكمه عدد من الخصائص وهي :

1- اذا كانت الدول في الحروب التقليدية تكون سيدة القرار في خوضها من عدمة، فان الحرب بالوكالة تفرض نفسها على الدول الكبرى من اجل رسم شكل الصراع ومستقبله، وانتهاز الفرص لتحقيق الاهداف باقل تكلفة ممكنة، وذلك عبر التأثير على الساحة وامتلاك خيوط اللعب وتحريك المشهد صعوداً وهبوطاً في ظل وجود وكلاء مطيعين لها ولهم حضور واسع في الميدان .

2- أن نوع العلاقة بين الوكيل والوكلاء تكون في العادة قوية تراتبية من الاعلى الى الاسفل، وفي حالة تمرد القاعدة على القمة او فشلها في تحقيق الاهداف المرسومة لها يحصل قطع في الامدادات والتوجه نحو وكلاء اخرين فاعلين على نفس الساحة.

3- أن قرار حل الحلف وانهائه في حروب الوكالة متروكة للوكيل في اختيار زمن توقيته، وخصوصاً في حالات تراجع تأثير الوكلاء على الساحة او تفوق الاطراف الاخرى عليه، او عدم مقدرته على تحقيق النتائج والاهداف المتوخاة للدولة الوكيلة .

4- في العادة تكون الدول الداعمة لحروب الوكالة بعيدة جغرافياً (ليس ضرورياً دائما)، كي تكون بمعزل ومنأى عن الارتدادات الناجمة عن الصراع وامكانية تمدده جغرافياً .

5- أن الاهداف المتواخاة من خوض الحروب بالوكالة تكون متنوعة ما بين قصيرة، متوسطة، وبعيدة المدى، ومثل (أنهاك منافس سياسي،مكاسب اقتصادية،كسب الوقت،ورقة ضغط دولية،توريط واحراج دولي لاطراف معينة) .

6- أن الدولة الوكيلة الداعمة للوكلاء غالباً ما تكون هي الممثلة لهم دولياً، وتعقد لهم المؤتمرات والندوات للتعريف بهم في المجتمع الدولي وبعناوين شتى .

7- وجود اتفاق مسبق بين الوكيل والوكلاء، وهذا الاتفاق يحدد نوع وطريقة الدعم والتوجيه، فضلاً عن اسلوب العمل والانتشار واختيار القيادات .

8- الفوضوية والتوحش من ابرز خصائص الحرب بالوكالة .

9- أن الوكيل عادة ما يتحمل النتائج السلبية المعنوية عن اخفاق الوكلاء على الارض، في حين النتائج الكارثية المادية يتحملها الوكلاء بالواجهة .

10- من الخطأ القول ان الحروب بالوكالة ذا بعد اقليمي فقط، بل هي دولية البعد، وتعكس صراعات ايديولوجية اوسع نطاقاً من ارتباطه بالاقليم .

11- أن الحرب بالوكالة قد تكون شبه خالية من المخاطر للوكيل، وتكلفة الخوض بها قليلة وعوائدها كثيرة.

الخاتمة

  العالم يعيش اليوم وسط مناخ دولي متازم بالمشاكل، وراي عام مناهض للحروب في الخارج وفق ضغوطات مالية والتضحية بابناء المجتمعات في الحرب دون فائدة .

وعليه في ظل تلك الضغوطات اخذت الدول تلجأ الى خوض الحروب بالوكالة دون تماس مباشر، وجعل الاخرين يقاتلون بدل عنها، لتصبح حالة مقبولة تصلح للتعايش معها، لذا من المتوقع أن تزداد مستقبلاً ظاهرة الحروب بالوكالة، وهو امر اكد عليه الكثير من الباحثين والمختصين وخصوصاً الامريكيين منهم، الذين يفضلون هذا الاسلوب للحيلولة دون المخاطرة بارواح الامريكيين والتكاليف المالية الباهظة، دون أن يترتب على ذلك أية اعتبارات انسانية أو اخلافية بالموضوع .