زيارة محمد بن سلمان إلى باكستان

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2019-02-24 19:35:51

لا يخلو جدول الحكومة الباكستانية والمملكة العربية السعودية من الزيارات المتبادلة والمتكررة بين وزرائها وحكامها، التي تأتي عادةً في إطار التأكيد على المصالح المشتركة أو بهدف تحسين العلاقات التجارية والاستثمارية، كما حدث يوم أمس، حين زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 18/2/2019، إسلام آباد . وتعقب تلك الزيارة جولة آسيوية لمحمد بن سلمان ،تشمل الهند والصين وخطط بن سلمان لزيارة إندونيسيا وماليزيا أيضا، خلال جولته الآسيوية، لكن هاتين الزيارتين تأجلتا، وفقا لمسؤولين إندونيسيين وماليزيين.

تاريخ العلاقات بين البلدين.

لطالما كانت السعودية واحدة من أقوى المؤيدين لباكستان خلال حربها مع الهند ونزاعاتها مع بنغلاديش وكشمير، والأمر نفسه ينطبق على سياسات باكستان التي دعمت السعودية خلال حرب الخليج الثانية عندما أرسلت قوات عسكرية لحماية مكة والمدينة، وعقب هذه المساندة السياسية والعسكرية المتبادلة، تطورت العلاقات على الصعيد الاقتصادي، فلقد ساعدت المملكة باكستان على مواجهة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة الولايات المتحدة من خلال تزويدها بـ59 ألف برميل من النفط مجانًا، كما ساهمت في بناء المدارس والمساجد داخل أكبر مدنها. ومن أهم المواقف التي جمعت بينهما كانت عام 2014، عندما أقرضت السعودية باكستان 1.5 مليار دولار أمريكي حين وصل معدل العجز إلى 6.6% من الناتج المحلي، وهو ماساعدها على الوقوف بثبات مرة أخرى، ولم تكن هذه الحادثة الوحيدة، فعندما ضرب زلزال مدمر إقليم بلوشستان عام 2005 قدمت السعودية 10 ملايين دولار من المساعدات الإنسانية لإعادة الإعمار والإغاثة.

امتدت العلاقات إلى مجالات التجارة والتعليم والعقارات والسياحة والتكنولوجيا والطاقة والاتصالات والزراعة، ولكن الحاجة السعودية لباكستان تكمن في الخبرات العسكرية والأمنية، أما حاجة باكستان للرياض فتقتصر على العملة الصعبة، وعلاوة على ذلك، فإن العمالة الباكستانية تعتبر العمود الفقري للكثير من الصناعات والقطاعات في السعودية، إذ يبلغ عدد العمالة الباكستانيه نحو مليوني شخص، وهم الجزء الحيوي الذي لعب دورًا رئيسيًا في تعزيز العلاقات بين البلدين، فهم مصدر أساسي لتحويلات العملة الأجنبية للخزانة الباكستانية، التي تقدر بنحو 4.5 مليار دولار سنويًا.

بالجانب إلى ذلك، فإن السعودية أكبر مصدر للنفط لباكستان، وسوق رئيسة للمنتجات الباكستانية، ويتعاونان على المستوى الدولي من خلال منظمة التعاون الإسلامي، وعلى المستوى الشخصي بسبب العلاقات الوثيقة التي جمعت بين نواز شريف رئيس الوزراء السابق والعائلة المالكة السعودية.

كما أن سجل تاريخ التعاون  العسكري المشترك بين السعودية وباكستان عمره 37 عاماً،و في عدد من المحطات الرئيسية عسكرياً. فقد بدأ في عام 1982 عند توقيع بروتوكول للتعاون العسكري، وفي عام 1991 تم توقيع اتفاقية الدفاع المشترك، وفي عام 2008 تم إجراء مناورات عسكرية بحرية ضخمة وواسعة، كما شاركت القوات الجوية الباكستانية في مناورات الصقور السعودية عام 2010، كما تم إجراء شراكة سعودية باكستانية بشأن برنامج تصنيع المقاتلات عام 2014.

 

وتواصلت الشراكات العسكرية بين البلدين عام 2017 في تدريبات عسكرية مشتركة في باكستان، فيما أجريت مناورات عسكرية عام 2018 في إطار مكافحة الإرهاب وتبادل الخبرات والقدرات العسكرية بين البلدين.

 

ماذا تريد باكستان من السعودية ؟ .

ترى باكستان أن زيارة ابن سلمان لها كأول دولة خلال جولته في آسيا، مجاملة تاريخية ودفعة كبيرة لاقتصادها، اذ لم يعد يمتلك البنك المركزي الباكستاني سوى 8 مليارات دولار من الاحتياطات الأجنبية، فضلا عن ما يعانيه من أزمة في ميزان المدفوعات.ومنذ تنصيبه في أغسطس/آب الماضي طلب الرئيس عمران خان، مساعدات مالية من الدول الصديقة، وألحّ في سؤاله تقليص حجم مساعدات المالية التي قد تحتاجها باكستان من صندوق النقد الدولي، في ظل ظروف بالغة الصعوبة. وتسعى باكستان إلى الحصول على حزمة الإنقاذ الثالثة عشرة منذ حقبة الثمانينيات، وكانت السعودية قد أقرضتها ستة مليارات دولار.

وتأتي زيارة ابن سلمان في أعقاب زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان لباكستان، حيث تعهدت الإمارات العربية المتحدة بتقديم قرض قيمته ستة مليارات دولار لدعم اقتصاد باكستان المتأزم. لكن السعودية ترفع السقف وتعلن في تقارير إعلامية عن توقيع اتفاقيات مؤقتة بقيمة 20 مليار دولار. وتتمثل إبرام اتفاق لبناء مصفاة نفط جديدة بقيمة 10 مليارات دولار في ميناء غوادار الجنوبي ابرز تلك الاتفاقيات. ويعتبر ميناء غوادار بمثابة المركز العصبي للممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني الذي تبلغ تكلفته 60 مليار دولار.

وتحظى الأموال الصينية بالكثير من التقدير من جانب الحكومة الباكستانية، لكن محللين يقولون إنها تأتي مصحوبة بقيود؛ حيث تشترط الصين أن يتولى عمال صينيون أعمال بناء المشاريع الصينية، فضلا عن مخاوف من ازدياد نفوذ بكين. وعليه، فإن الأموال القادمة من دول الخليج تحظى بترحيب بالغ في باكستان.

ماذا تريد السعودية من باكستان؟ .

في الجانب السياسي يرى المحللين ان الزيارة كانت بمثابة محاولة لتجميل سمعة السعودية وتحديدًا صورة ابن سلمان التي تشوهت بعد مقتل خاشقجي .

أما فيما يخص الجانب الأمني، فإن السعودية تطمح إلى الاستفادة من القوة النووية التي تتمتع بها باكستان لمواجهة منافستها الإقليمية إيران، ولكن قال ابن سلمان في حوار له إن السعودية "لا تريد الحصول على الأسلحة النووية"، مستطردًا" لكن دون شك إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسوف نتبعها في أسرع وقت ممكن"، ومن غير المعروف مدى تقدمها في هذا المجال، فعلى الرغم من التقارير التي تحدثت عن استثماراتها في البرنامج النووي الباكستاني وشرائها أسلحة نووية من باكستان ، فإن كلتا البلدين أنكرت ذلك تمامًا، وردت باكستان قائلة: "لا تستند هذه المعلومات إلى أساس من الصحة، وباكستان لا تتحاور مع السعودية حول القضايا النووية".

ماذا تمخض عن زيارة محمد بن سلمان لباكستان ؟.

شهد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، توقيع 8 اتفاقيات بين البلدين.وتضم الاتفاقيات ثلاث مذكرات تفاهم للاستثمار في قطاعات النفط والطاقة المتجدّدة والمعادن .وشملت الاتفاقيات ايضا مصفاة أرامكو في ميناء غوادار الباكستاني بقيمة 10 مليارات دولار، وهي من الأكبر في العالم.كما تركز الاتفاقيات على توفير الفرص للشباب لتمكينهم من لعب دور رئيس في التنميتين الاجتماعية والاقتصادية.

والاستثمار المتوقع تبلغ قيمته الإجمالية حوالي 12 مليار دولار أمريكي من قِبل السعودية في مختلف القطاعات في باكستان، وسيساعد على تعزيز الأنشطة التجارية والاقتصادية في البلاد.

كذلك تأتي جولة ولي العهد في وقت شديد الخصوصية بالنسبة للمملكة إذ تعاني في الوقت الراهن من أزمة عالمية تتعلق بسُمعتها جراء دورها الخاص بالكارثة الإنسانية في حرب اليمن ومقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول.

في ظل هذا المشهد، يُنظر إلى الزيارة باعتبارها خطوة ذكية من محمد بن سلمان، الساعي إلى تعزيز العلاقات مع حلفاء محل ثقة عبر توزيع الأموال. ومن الأهمية كذلك عدم نسيان ما تمثله باكستان من أهمية بالغة للسعوديين.

 

 

 

 

 

                                                                                     د. مصطفى كامل

                                                                                      20/2/2019