التقنيات الرقمية ودورها في مواجهة التطرف

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2018-10-15 19:07:57

محمد عباس اللامي

15/10/2018

لقد قطع العالم عن طريق العلم والتقنية خلال أقل من مائه سنة أشواطاً تفوق تقدمه منذ وجد ، هكذا بدأ العالم والفيلسوف برجسون حديثه في خطاب القاه مطلع عام 1912 يخص التقدم العلمي ، بحيث اصبحت طريقة رؤية الموضوع وطرحه من الاولويات المهمة التي شغلت تفكير الانسان ،  الذي تطلب إيجاد تقنيات أظهار ، جديدة ملائمة للتحولات الفكرية التي حولت الحرفة والمهارة والفن الى تكنلوجيا تجمع الاداء وعلم التطبيق والتي برزت بشكل واسع وكبير منذ القرن العشرين ، أي بعد الثورة الصناعية الثانية التي ازدهرت بشكل كبير في المانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية وبعضاً من الدول الاوربية التي تميزت باهتمامها بالبترول والكيمياويات و الكهرباء والمكائن والنقل ، وتعتبر مرحلة الثورة الصناعية الثانية  هي النواة الاولى والرئيسية في تطور وسائل الاظهار والتقنية التي تهدف الى الاستقرار السياسي والاقتصادي وخلق الرفاهية في الوقت ذاته .

 كما مثل عالم الانترنيت نافذة علمية جديدة جعلت من الشبكة العنكبوتية وسيطا لفرض الاراء وصنع القرار وتبادل المعلومات ، فقد اصبحت البشرية اليوم تشهد ظاهرة عالمية تسمى بالعولمة تسعى من خلالها لتوحيد الافكار  الثقافية واالاجتماعية والاقتصادية والسياسية تدفع بها الى رؤى وتوجه محدد، وتوظيف وسائل الإتصال ووسائل الإعلام، والشبكة المعلوماتية والتقدم التكنولوجي بشكل عام لخدمة ذلك، فلم يعد هناك أي حواجز جغرافية أو تاريخية أو سياسية أوثقافية ، فأصبح العالم يخضع لتأثيرات معلوماتية وإعلامية واحدة ، أسهمت التقنية الحديثة في تطور العلم وجعله مختلفا عن الأمس .

لنشهد في منتصف القرن العشرين تصاعدا في العلاقة بين صناعة السينما والتصميم الاعلاني والدعائي وبين أحدث وسائط المعلومات والإتصال، حيث تحمل التكنولوجيا دور القوة والسلطة فتنقلنا إلى عالم مفتوح النهايات يرفض الحدود والمستحيل .

ومن هنا يمكننا الحديث عن إنشائية الصورة الرقمية في الفنون المعاصرة والتي تنتج لنا عدة مفاهيم اهمها هو الافتراضي الذي يقسم الى محاكاة البيئة الحقيقية ونعني بذلك التصميم الداخلي للشيء والثاني هو تصميم البيئة الخيالية وهذا ما اعتمدته الجماعات الارهابية والمتطرفة في تحقيق ما لا يمكن تحقيقة في الواقع ففرضت التقنية الرقمية على اغلب نتاجاتها بصناعة الاعلان معتمدة على طرق اظهار أحترافية بكلفة مالية قليلة مستبدلة الواقعية بعالم أفتراضي مستفيده من تجربة " أفلام الخيال العالمي " كما أضافت «التكنولوجيا الرقمية» إمكانيات متطورة في عملية الإنتاج الفني ، التي أتاحت لصانعي الافلام والاعلانات للمنظمات المتطرفة والارهابية  بإضافة شخصيات غير موجودة في الطبيعة  ، فأثرت الصورة الرقمية بشكل مباشر على المتلقي من خلال تجليات الثورة المعلوماتية والتطورات التكنولوجية ، كما تعتبر الصورة الرقمية وسيلة توصيل وتواصل فهي وسيلة اتصال جديدة لها تقنياتها وظواهرها الخاصة بها ، وذلك عبر تقديم العديد من الخدمات التكنولوجية والإفتراضية التي وظّفت في فن السينما والاعلان ، ولعل هذا ما يتأكد عبر تشكيلات الصوت الرقمي والخدع البصرية والمؤثرات الفنية الرقمية، عبر الديكور الإفتراضي الذي تتم صناعته بالأبعاد الثلاثية .

 وبالتالي أسست المنظمات المتطرفة لعالم افتراضي أستثمرته لتسويق افكارها وأنشطتها الارهابية  ، القائمة بالاساس على تقنيات رقمية احتلت عقول الكثير من المشاهدين والمتابعين للمنصات الالكترونية لما تتمتع به من جاذبية واستقطاب خصوصا في عالمنا العربي ، بسبب تميز الثورة الرقمية بوسائل اتصالية تفاعلية وبانتشار غير مسبوق ، فقد حملت التقنية الرقمية التي استخدمتها المنظمات والجماعات المتطرفة على تثقيف المجتمعات وترويج افكار مغايره تهدف الى التمييز العنصري والاقتتال الطائفي وزعزة الامن معتمدة  على تقنيات حديثة على مستوى الصوت ، الصورة، الرسم ثلاثي الأبعاد ، رباعي الأبعاد، وحتى على مستوى اللون الذي أصبح أنقى وأصفى ، وهذا ما جعل من الجماعات والمنظمات الارهابية المتطرفة في وسائل الاعلام الجديدة مساحة لممارسة شذوذها الفكري و السعي للتجنيد وخلق جسور تواصل مع جميع اعضائها في العالم .

 وبسبب عدم وجود قوانين رادعه وعدم سيطرة البلدان على المنافذ الالكترونية بجعله جزء من حرية الفرد ظلت مواجهة التطرف عبر وسائل الاعلام الرقمي متأخرة نوعا ، ما ، والذي يعزوا سببه ايضا بعدم التواصل وضعف التنسيق والتعاون مع الشركات الكبرى التي تدير  السوشيل ميديا " Sushil Media " وهذا ما استفادت منه تلك التنظيمات لتحقيق اهدافهم ، في ظل ضعف بنية الشبكات المعلوماتية إزاء خطابات التطرف والإرهاب وقابليتها للاختراق بسهولة ، كون شبكات المعلومات مصممة في الأصل بشكل مفتوح من دون قيود أو حواجز أمنية ، وذلك رغبة منها في التوسع وتسهيل دخول المستخدمين، والحفاظ على خصوصيتهم، وتحتوي الأنظمة الإلكترونية والشبكات المعلوماتية على ثغرات معلوماتية يمكن للمنظمات الإرهابية استغلالها في التسلل إلى البني المعلوماتية التحتية ، ليجري نشر المضامين والصور والأفلام الدعائية للفكر الإرهابي و المتطرف عبر نظام إيكولوجي واسع من المنصات، وخدمات تبادل الملفات والبيانات التي تلتزم بها وسائل الإعلام ، ووسائل الإعلام الاجتماعية .

ورغم كل ما استعرضناه بشكل سريع فهنالك  عدة مخارج لمواجهة التطرف العنيف، وخاصة المخارج السياسية والأمنية والثقافية والاقتصادية وغيرها، ولكن مقتضى الثورة الرقمية ، يفيد بأن المواجهة الرقمية تعتبر اليوم من أهم المواجهات ، خاصة أن هذه الثورة تسببت في خلخلة المشهد الديني والثقافي والسياسي  في المنطقة والعالم ، وأصبح التأثير على الناس  عبر الفضاءات الرقمية، أسهل وأيسر بكثير اليوم، مقارنة بالماضي .

 ولقد خلقت هذه الشبكة العديد من العقبات التى تتطلب حلولاً جديدة ومبتكرة بل وسريعة فى نفس الوقت، كما أنها تتطلب فريقاً من كل الهيئات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية لتدريب كوادر وتسليحهم بأدوات ومؤهلات حقيقية لجمع وتحليل البيانات وأستثمار شبكة المعلومات الدولية لاكتساب المهارات والدلائل التى تمكنهم من تحديد النشاطات المتطرفة
و المعقدة نظراً للتقنيات المستخدمة  في النشر والتسويق ، واعداد البرامج التنموية و الاهتمام بالمناهج التعليمية لترسخ مفهوم التقبل ونشر روح التسامح ، بمعنى اصح اعداد استراتيجية شاملة لمواجهة التطرف والابتعاد عن الانشطة الفردية والمتفرقة والعمل الجاد بنشر الامور الايجابية في المجتمع والعمل على النصح والإرشاد من أكثر الطرق استخداما لتقليل التطرف الفكري والاعتماد على تنشيط بعض الاعتقادات والقيم الإيجابية، والمشاعر الطيبة في نفوس الأشخاص حتى يتقبلوا تغيير سلوكهم، ويعتمد أيضاً على التناقض بين الأفكار التي توجد لدى المتعصب الأمر الذي يخفض القلق، والتوتر و التعصب ومنح الخبرات والمعلومات من خلال الأفلام والمسرحيات اضافة الى الدراما التلفزيونية .