التطرف والسياسة الوطنية  

التصنيف: دراسات

تاريخ النشر: 2018-01-11 15:30:29

 

اللواء الركن المتقاعد

خالد عبد الغفار البياتي

قسم / دراسات التطرف العنيف

 

المقدمة

ان انتشار الفكر المتطرف في العديد من الدول العربية بات يهدد وحدتها الوطنية ووحدة مجتمعاتها بخطر الانقسامات والفوضى التي تهدد السلم الأهلي والمجتمعي . لذا لابد من مواجهة هذه القضية من خلال رسم سياسات وطنية لردعها وحماية المجتمع من هذه الأفكار الهدامة .

ويعد العراق واحدا من اكثر الدول التي تعرضت وما زالت الى مخاطر الفكر المتطرف اذ أثر بشكل مباشر وغير مباشر على المجتمع وبالتالي على السياسة الوطنية . و أصبح من الواضح لزوم التحرك على هذه القضية بشيء من الاهتمام فالتطرف موجود داخل المجتمع وفي كل حزب وجماعه لتعصبها وانحيازها بالرأي والقناعة في إلغاء الأخر المختلف ونفي وجوده كانسان  وتكون المجتمعات المتطرفة حواضن للحركات والجماعات الإرهابية ستلقي بظلالها على السياسة الوطنية في تأهيل المجتمع بعد دحر داعش الارهابي .

فقد يتنامى دور هذه الجماعات من خلال استخدامها شبكات التواصل الاجتماعي في تجنيد متطرفين جدد , إضافة إلى عودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم والذين سيقومون بنشر الأفكار المتطرفة في أوساط الجاليات العربية والمسلمة في بلدانهم وايضا بالمقابل تنامي اليمين المتطرف في أوربا واقترانه بالأفكار الفاشية والنازية . والاهم في الموضوع هو سعي تيارات الإسلام السياسي للوصول إلى النفوذ و السلطة .

لذا فان الحراك يتطلب تحويل أفكار دوائر صنع القرار بصياغة إستراتيجية من مواجهة الفعل العنيف المؤدي إلى الإرهاب إلى مواجهة  مرض الأفكار المتطرفة لضمان استقرار مؤسسات الدولة أولا والتوظيف الذكي لعناصر القوات الأمنية وبشكل خاص قوات مكافحة الإرهاب والذي يتميز بهذه المهام في المكافحة إلى جانب استخدام القوة الناعمة والتي تمثل أساس الحرب الفكرية ضد أيديولوجيات الإرهاب لتحقيق أهداف السياسة لهذا سأحاول أن أقدم أهم الأبعاد والإشكاليات والتحديات التي تواجه العراق في هذه القضية  .

أبعاد التطرف على السياسة الوطنية

التطرف هو موقف (سياسي – ديني – اجتماعي ) يرفض معتنقوه أي فرصه للحوار كما يرفضون أي تلميح حول وجود قصور أو خطأ في فهمهم ويذهبون في جدلهم إلى ابعد مدى ممكن وكل مدرسة من مدارس الفكر لديها تطرفها ولكن المتطرفون في جميع الأطياف في نهاية الأمر يرفضون أية تسوية او حل وسط مع الآخرين الذين لايشاركونهم آرائهم [1]  .

والتطرف والتعصب وجهان لعملة واحدة فأنهما يولدان العنف من منطلق الإحساس بأنهم متعصبين بما يؤمون به ( فعالم المتعصبين واحد ويتداخل مع جميع الأديان والإيديولوجيات والطموحات فالروافد التي تغذي مستنقع التعصب تأتي من مصادر مختلفة وقد يفصل بينهما التاريخ والظروف المناخية والجنس او أشكال الظلم والحرمان المتعددة ولكنها تلتقي في نفس المصب يدفعها دافع يسمح لكل شخص بان يعلن نقاء ذاته ونصوع بياضها في مجتمع فاسد ملوث ) [2]  .

ولو تمعنا بأهم الأبعاد التي تؤثر على السياسة الوطنية في العراق والتي نجملها في :

ا . أن التطرف ظاهرة عالمية متعدية الحدود وهي لا تقتصر على الدول العربية والإسلامية بل أيضا الدول الغربية فالجميع مسؤولين عن انتشار الأفكار المتطرفة . فقد اعتبرت الدول العربية موطن الأفكار المتطرفة بعد أحداث 11 أيلول بالإضافة إلى الفقر وغياب الديمقراطية وتنامي التيارات الإسلامية في المنطقة والعراق واحد من هذه الدول . يقابله الديمقراطية المفرطة في أوربا والتي سمحت لمواطنيها الانخراط بالجماعات الراديكالية والسفر عبر الحدود إلى دول أخرى وخاصة في مناطق الصراعات والتي عرفت لاحقا بظاهرة المقاتلين الأجانب والذين أصبحوا فيما بعد قادة في التنظيمات الإرهابية والتي وصلت أيضا إلى العراق   .

ولمواجهة هذا البعد فأننا أحوج ما نكون الى تحالف الشعوب والامم في مواجهة الكراهية التي تؤمن البيئة الخصبة للتطرف والسلوك العنيف المؤدي ألى الإرهاب المهدد للقيم الإنسانية وعليه من الناحية العملية ينبغي عند رسم السياسة الوطنية العراقية  التعاون مع إطراف متعددة للتحالف الدولي إقليميا ودوليا لدفع الخطر عن الأمن الوطني العراقي بحسابات سياسية متوازنة مع الجميع .

ب . لقد اعتمدت الجماعات المتطرفة في نشر أفكارها على تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي من جهة وتنفيذ خططها من جهة أخرى وذالك لانخفاض تكاليفها وسرعة وصول المعلومة وانتشارها على الرغم من جهود المراقبة على تطبيقاتها ألا أنها تنفذ منها وأصبحت السيطرة عليها صعبة ولا يمكن التنبوء بها . ولمواجهتها فعلى وزارة الاتصالات والجهات ذات العلاقة غلق ومتابعة ورصد صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالجماعات المتطرفة واستحداث صفحات جديدة معتدلة أكثر انفتاح على الأخر وسن قانون وضوابط صارمة على المخالفين  .

ج . امتازت الجماعات المتطرفة في العراق باستخدام القوة المفرطة والقتل الجماعي وهذا ما فتح الباب امام المواجهة المسلحة مع القوات الامنية ولم يترك المجال للمعالجات الاخرى ،وبعد القضاء على داعش  ينبغي عدم اقتصار معالجة التطرف باستخدام القوات الأمنية فقط بل بوسائل أخرى إضافية  فلتطرف مبرراته الغير أمنية أيضا . وهذا ما يجب أن تتضمنه رؤية كتابة استراتيجية مكافحة التطرف على برامج التنمية المستدامة من مبدأ المواطنة وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وتكافئ الفرص  والثقافة المجتمعية بما يخص إشاعة ثقافة الاعتراف بالأخر المختلف والاعتذار والاعتراف بالخطأ والتسامح  .

إشكاليات التطرف على السياسة الوطنية 

أن ما يعانيه العالم اليوم من توتر ألقى بظلاله العنيف على دول كثيرة ومنها العراق وهنا يجب أن نسال أنفسنا لماذا أصبحنا ارضا وحاضنة للتطرف العنيف والذي تخطى كل ما هو معقول وأنساني ؟ اذا لابد من وجود إشكاليات أثرت على سياستنا الوطنية نجملها في :

ا . اغلب الدراسات والندوات وورش العمل التي تقام يكون فيها  التطرف مقرونا بالإرهاب في حين أن كل ظاهرة تختلف عن الأخرى وهذا يعني عدم وجود مؤسسات تعني بالتطرف بشكل واسع . هذه الإشكالية لم تترجم إلى سياسات فعالة إزاء ظواهر صنفت على أنها إرهاب واعتبار التطرف قضية  محدودة  تكون ذيل لها لذلك فمن الضروري أعادة التفكير والتقدير بتأثيراتها على الأمن الوطني والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في العراق .

ب .  تتعامل السياسة الوطنية مع التطرف على انه ديني وهو الأكثر الأهمية دون التركيز على التطرف السياسي والاجتماعي وحتى الأكاديمي. لذا فان جوهر مكافحة التطرف يكمن في كيفية تطوير برامج فاعلة للسياسات العامة للدولة تحد من انتشار التطرف إلى فئات اجتماعية  مختلفة واهمها فئة الشباب وكذلك أدارة التداعيات السلبية التي تقع على المجتمع .

ج . محدودية الجهات المعنية بمكافحة التطرف كما أن اهتمام الخطاب الرسمي للدولة بهذه الظاهرة مازال يرتبط بالمؤسسة الأمنية والعسكرية وان الشراكة بين المؤسسة الفكرية ومؤسسات المجتمع المدني والجهات الأمنية ضعيف لذا فان تفعيل الشراكة سوف يحد من نشر التطرف وبالتالي خلق نوع من المؤسسات لمواجهة الأفكار المتطرفة في المجتمع وحماية الشباب .  ان ضعف الحضور والمناقشة  في المحافل الدولية سواء السياسية أو الأكاديمية المتعلقة بالتطرف يعود إلى ضعف الاهتمام الحكومي والأكاديمي بالبحث الجاد في قضية التطرف حيث ان تناول  ظاهرة الإرهاب دون تناول التطرف كقضية مولدة له , كما  يتم في اغلب  الأحيان  التركيز على طرق مواجهة و مكافحة الإرهاب ,واقتصار علاج  التطرف بشكل خاص على  تجديد الخطاب الديني , إضافة إلى ذلك  ضعف الاهتمام برسائل الماجستير والدكتوراه التي تناقش قضية التطرف بإبعاده النفسية والاجتماعية والتحولات الاقتصادية المرتبطة به ولما تحتويه هذه البحوث من توصيات ومعالجات قابلة للتطبيق وبأقل التكاليف  .  

د. أن التطرف في العراق الذي تم اختلاقه والتربية عليه في مرحلة داعش وما ينتج عنه مستقبلا  من التداعيات وتقاربات والتفاهمات والتطبيقات محلية واقليمية ودولية تناسبت مع دور كل طرف مشارك أو متداخل أو مناهض في هذه  القضية  المرحلية  ؟  مع انه ليس تطرفا غريبا على عالم البشرية فالتاريخ يحكي في جميع الأزمان أن التطرف موجود وبعنف حتى في عصرنا الحديث و تطرف داعش ليس المثال الوحيد ولكن في عالم الانفتاح الإعلامي والتطور التكنولوجي وتطور وسائل التواصل بين الأفراد والمجتمعات كان له الأثر الكبير في ترويج وأشاعة ونقل أخبار وفرضيات واملاءات ورعب مثل هذه التنظيمات اللانسانية . لذا فلرسم سياسة وطنية  لبناء مجتمع ما بعد داعش ينعم بالأمن والاستقرار لابد لنا ان نستعرض ونراجع جميع السياسات التي وضعتها الحكومات السابقة وما هو الدور الذي لعبته في تهيئة الفرد والمجتمع لتحمل أعباء الحياة وكيفية مواجهة التحديات والمشاكل دون تأثيراتها السلبية  .

فالواقع يشير الى ان المجتمع العراقي قد مر في مخاضات عسيرة حيث املي عليه منهج بعد أخر مما أدى إلى تباين مستوى تفكيره وتضارب توجهاته ومن ثم انحسار تفكيره بكيفية العيش والحفاظ على نفسه وأسرته من الموت . وهنا كيف يمكن أن نضع سياسة وطنية في ظل تحديات كبيرة وعديدة  تواجه الحكومة   .

تحديات مواجهة التطرف . 

يواجه العراق تحديات كبيرة في برامج وضع السياسات الوطنية لتأثير التطرف على هذه السياسات ومن أهم هذه التحديات هي :

ا . دخول الإسلام السياسي في صراع مع العلمانية المتنامية في المجتمع .

ب . استشراء الفساد المالي والإداري واختفاء الرؤيا القادرة على تحفيز المجتمع على البناء والتنمية المستدامة .

ج . البطالة وعدم تكافؤ الفرص وقبول العيش بأقل من الحد الأدنى بالإضافة إلى فقدان فئة الشباب القدرة على بناء المستقبل بغياب الرؤى والتخطيط السليم باستثمار الطاقات

د . الحوارات المتطرفة والتي أصبحت منطق للمطالبة بالتقسيم والانفصال عن المجموع للحصول على المكاسب بحجة الاستقلال  . 

ه . غياب برامج  الحماية التي توفرها السياسات الوطنية للتربية السليمة داخل الأسرة وضعف برامج التأهيل والمساعدات  والرعاية الاجتماعية وضعف التعامل مع فئة الأطفال والأيتام وأطفال الشوارع .

ز . انتشار الأفكار المتطرفة بين المعلمين والتدريسيين في قطاع التربية والتعليم .  

بالإضافة إلى أعادة البنية التحتية والأزمة المالية والدستور والانتخابات وتدني الثقافة العامة للمجتمع ............ الخ .

اعداد هذه السياسة يحتاج إلى الأطر الزمنية لتنفيذها أخذه بنظر الاعتبار تنامي الكراهية و التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب في حساباتها وتأثيره على بناء المجتمع وهنا ينبغي أن نضع في الحساب بان البداية ستكون صعبه حيث يبدأ المشوار في ظل تخبط سياسي واقعي الآن منها المطالبة بالانفصال والتقسيم والانتخابات وغيرها من التحديدات والتي تشكل عائقا مرحليا أمام فكرة ترطيب وتهدئة الصراعات لأجواء الانتقال من مرحلة تحرير الموصل إلى مرحلة البناء والتي يجب أن لا تتخللها العودة إلى التحزب واللغو العقائدي ولعب دور الدفاع عن المظلومية  والتهميش للحفاظ على المكاسب . بل يتطلب قرارات شجاعة يتحملها الجميع وإرادة قوية لتنفيذها .  

أن  التعامل الجاد مع قضية التطرف كأحدى قضايا التعاون الدولي وصياغة خطاب متوازن والإقرار بوجود خبرة عراقية في التعامل مع الجماعات المتطرفة  وأهمية تواصلها مع الخبرات الإقليمية والدولية وبشكل خاص بمجال تبادل المعلومات والتدريب . والتعاون مع مراكز الفكر  وإشراك المعنيين بقضية مكافحة التطرف في المحافل الإقليمية والدولية بإبراز تجربة العراق في هذه القضية . واستحداث مراكز تأهيل للأطفال واليتامى والنساء والذين فقدوا المعيل بدون التمييز بالعرق والمناطقية والدين والمذهب الذين تضرروا من التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب وفق برامج علمية رصينة لتنمية المنظومة القيمية للإنسان العراقي وبناء شخصية الفرد بالولاء والانتماء إلى الوطن تحت مفهوم الوطن للجميع . كما تقع على المرجعيات الدينية مسؤولية  تطوير الخطاب الديني والانتقال الى خطاب التعايش السلمي والبناء بعيدا عن لغة الحرب والتطرف . بالإضافة الى وضع معايير اختيار الخطباء و الواعظين في دور العبادة  بما يدفع لتحديد السياسة الوطنية بمعايير المواطنة . وينبغي على واضعي السياسة الوطنية الاستفادة من تجارب الشعوب التي مرت بظروف مماثلة في بناء الدولة بإستراتيجية البناء الشامل وخاصتا تجربة كوريا الجنوبية بعد حرب 1953 . وان يعزز دعم الحكومة إلى منظمات المجتمع المدني المتخصصة  ببرامج التوعية والتعايش والسلم الأهلي لدورها الفعال في هذا المجال . فإذا ما اخذ بذألك فستكون لدى صناع القرار الخطوات الأولى لرسم سياسة وطنية تعالج فيها تأثير التطرف العنيف وبالتالي تكون قد وضعت الأولويات في التنفيذ وفق الأطر الزمنية مستثمرة بذلك الطاقات المعطلة  والمهنية .

الخاتمة

يزدهر التطرف العنيف في المجتمعات التي ينظر فيها الى مؤسسات الدولة على انها قمعية وفاسدة وغير فعاله وغير شرعيه . لذألك فان مكافحته تحتاج الى كسب ثقة الفرد وبالتالي المجتمع ودعم قطاعاته الواسعة من خلال  بذل جهود ضخمه لبناء مؤسسات الدولة وبرامج التشريع والإصلاح والمصالحة الوطنية والتي تعتبر جزءا من الجهد الشامل لمكافحة التطرف العنيف في البلاد موضع التنفيذ وبشكل خاص بعد ان استثمر العراق الدعم الدولي في تحرير الموصل والذي يتطلب استثمار هذا النصر في رسم سياسة وطنية لا يؤثر عليها التطرف لحماية الأمن الوطني العراقي .

 

 

 

                                                         

 

 

المصادر

1 . خطة العمل من اجل منع التطرف العنيف –الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 ك2 2015

2 .  إسماعيل سراج الدين – رؤية ثقافية لمجابهة التطرف العنيف –القاهرة -30مايس 2015

3. وول سوتيكا – مناخ الخوف –رندا هارس – نيويورك 2005

4. خبرة  وعمل الباحث في مجال  مكافحة التطرف العنيف .