النصب والاحتيال معضلة اجتماعية ذات تأثيرات نفسية وتهديد أمني. الباحث: ليث محمدرضا العلاق رئيس قسم المتابعة والتخطيط

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2025-05-26 10:15:51

 

الباحث: ليث محمدرضا العلاق

رئيس قسم المتابعة والتخطيط

النصب والاحتيال معضلة اجتماعية ذات تأثيرات نفسية وتهديد أمني.

   تعتبر ظاهرة النصب والاحتيال من المشكلات الاجتماعية تتصف بانها قديمة متجددة شائعة منتشرة عابرة للحدود والجنسيات، تشكل تهديداَ للأمن الاقتصادي والاجتماعي والسلامة النفسية، تعرف بأنها جريمة يعاقب عليها القانون عالمياً، العقوبات غالباً تكون غير كافية لردع المحتالين، في حين أن نسبة استعادة الحقُوق تظل ضئيلة، أذ لا تتجاوز 4% من الأموال المنهوبة في أفضل الحالات.

وفقاً لاستطلاع نشر سنة 2023، وجد أن 68% من الامريكان تعرضوا الى نوع من أنواع النصب أو محاولة اختراق مالي، و34% منهم عانوا من ذلك السنة السابقة للدراسة. وفي منطقة الشرق الأوسط، وجدت دراسة لشركة فيزاً أن 53% من المصريين تعرضوا للنصب مرة واحدة على الأقل، رغم ان 58% منهم يعتبرون أنفسهم أذكياء يصعب خدعهم، مع ان 14% منهم تم النصب عليهم أكثر من مرة في السنة قبل الدراسة. أما في السعودية، فقد تعرض 54% من السكان لعملية نصب، بلغت خسائر الاحتيال الالكتروني ما يقارب مليار ريال خلال عام 2022 كان النساء الأكثر ضررا.

تشير إحصاءات التحالف العالمي لمكافحة الاحتيال (GASA)، الى أن خسائر النصب عالمياً بلغت 1.03 ترليون دولار في سنة 2024. أذا اخذت في الاعتبار أنواع الاحتيال الأخرى كالاختلاس والفساد، والتسوق الالكتروني المزيف أو المنخفض الجودة فقد تصل التكلفة العالمية الى 5.13 ترليون دولار، وهذا الرقم يشكل 7% من النفاق العالمي. مع ذلك تبقى الأرقام الفعلية أكبر بسبب مشكلة عدم إفصاح الضحايا عن تعرضهم للنصب ويرجع ذلك الى: أما لشعورهم بالخزي والعار او قلة التقدير الذاتي أو الخوف من اللوم الاجتماعي. تعد الاثار النفسية للنصب عميقة في النفس، اذ أظهرت دراسة للمفوضية الاوربية أن 79% ممن تعرضوا للنصب يعانون نفسياً بسبب إحساسهم بمشاعر الخزي، مقارنة 24% يعانون مالياً.

يتجنب الضحايا التبليغ عنما حصل معهم لاعتقادهم بصعوبة استرجاع أمولهم المنهوبة، مفضلين التكتم خوفا من الفضيحة، وبحسب نشرتها مجلة "الاتجاهات الحالية في العلوم النفسية" سنة 20 -21 من المهم ملاحظة أن لا العمر ولا الجنس ولا مستوى التعليم عوامل حاسمة تجنب الضحية من عمليات النصب، وبحسب الدراسة العمر الأكثر تعرض للوقوع في عملية نصب هو ما بين 30  44 سنة، استنادا الى ما سبق لكل فئة مدخل يستهدفه المحتالون بطرائق تتناسي مع اهتماماتهم، فالشياب يستدرجون عبر قرص عمل وهمية أو علاقات مزيفة، بينما يخدعُ كبار السن بمنتجات صحية ذات مفعول سحري، الرجال فيستهدفونهم بمشاريع استثمارية والنساء من خلال مسابقات وجوائز ومفاجئات وهمية، هذا كله يحصل مع فئة من الناس مستوى ذكائهم عالي ودخلهم فوق المتوسط.

يعتقد الكثيرون أن الذكاء يحمي من النصب، لكن الواقع يثبت عكس ذلك، شخصيات بارزة مثل هنري كسنجر (وزير خارجية)، وجمس ماتيس (وزير دفاع) للولايات المتحدة الامريكية تعرضوا الى الاحتيال، ولو استعرضنا عمليات النصب المسجلة والناجحة ستطول القائمة بأسماء (رنانة) من رؤساء شركات وسياسيين بارزين وعوائل ثرية...الخ. أن الثقة الزائدة بالنفس قد تكون نقطة ضعف داخلية تجعل الضحايا يضنون انهم في مأمن من النصب بسبب خبراتهم ومناصبهم.

النصابون محترفين في دراسة ضحاياهم، مستخدمين أساليب نفسية معقدة تعتمد على ممارسة الضغوط الزمني (باقي ساعات قليلة وينتهي العرض)، العروض المحدودة (اخر قطعتين في العرض)، المفاجآت المبهجة (اشترك معنا وستحصل على كذا وكذا).ويتفوق النصابون في استغلال السمات النفسية للضحايا مثل التسرع في اتخاذ القرار أو الجراءة وحب المغامرة او الانسياق نحو التأثير الاجتماعي أو الإعلامي. لذلك فأن أساليب النصب مع تنوعها والتحديث المستمر لها، إلا أن هناك طرائق لازالت مستخدمة وناجحة الى حد الان أذكر منها الاستهداف الجماعي العشوائي عبر رسالة باستخدام احدى وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة، من خلال ارسال رسالة قد تكون بكل او بجزء من الاشكال التالية ( نصية، صوتية، صورية فيدوية) معدة بشكل يستهدف عدد كبير من الناس تستهدف في مضمونها المشاعر والعواطف والاحتياجات النفسية بأسلوب متعمد ان يكون غير منطقي او بعيد عن الواقع من يستجيب لمثل هذه الرسالة هو المستهدف وتتوال عليه الرسائل حتى يتمكنوا منه للإيقاع به.

وبحسب دراسة أجرية سنة 2019 ان النصابين ليسوا اغبياء ولا يائسين ليرسلوا هكذا رسائل والسبب هو عملية غربلة للمتلقين، وتعتبر هذه الرسائل من أقدموأشهر هجمات الهندسة الاجتماعية التي تستخدم أساليب عدة منها جمع البيانات ومعالجتها لتصميم هجمات تستهدف ضحايا بعينهم ومؤسسات بذاتها برسائل محكمة الصياغة وموجهة أليهم مستغلين البيانات المتاحة على شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية للشركات الكبرى والمهمة على سبيل المثال وبحسب الدراسة أعلاه استخدم النصابون تقنية التزييف العميق للاحتيال على موظفين في شركة كبرى عبر تقليد صوت مديرهم التنفيذي لتحويل أموال ضخمة خارج الشركة، هذه الحادثة تدلل على ان المحتالين في حالة تطور مستمر مستخدمين التكنلوجيا المتقدمة ليكونوا اكثر اقناعاً واسرع أداءً. النصب فن يجعل الضحية تسلم بياناتها واموالها بشكل تلقائي طوعي بل في بعض الأحيان يتوسل الضحية الى المحتال لقبوله والرضى عنه. يتابع النصابون القنوات الإعلامية والإعلانات للشركات فيستغلون مضمونها، بكل ما هو متاح ومشهور من تقارير استقصائية  تخص موضوع ما، مثل الاستثمار في العملة المشفرة (البتكين ومشابهها من العملات  الرقمية)، هذه العمليات قد تصل الى انشاء ما يسمى ( مسرح النصب) اذ يصمم عليه عملية متكاملة من موظفين وبناية كلهم عبارة عن أدوات لأجراء عمليات متسلسلة وموجهة نحو اشخاص او شركات، يكون له شكل منسجم مع الواقع الاقتصادي و الاجتماعي مثل ( مكتب دلالة، مضيف ديوان عشائري، شركة، مكتب صيرف،...الخ)، والخطير في مثل هذا النوع من النصب هو تحويل الضحايا الى جزء من عملية نصب مستقبلية بعد توريطه وسلب ماله يستخدم كائدات بيد المحتال للإيقاع بالضحية التالية، قوة بعض النصابين توصل الضحايا الى حالة من العجز والاستسلام امامهم كما حصل مع ضحايا  الخبير المالي ( بيرني مادوف) الرجل الذي يقف وراء أكبر عملية احتيال وصل مبلغ احتياله الى 65 مليار دولار، ضلوا ضحاياه ساكتين لسنوات طويلاً أمام عجز قانوني وأداري لأكبر دولة في العالم. 

يتصف النصابون ظاهريا بالأناقة والوسامة والكرم والجاذبية الاجتماعية والذكاء مع القدرة على الاقناعتجعل الكثير من الناس تغفل عنهم لقدرتهم على تصنع المشاعر      كاريزمتهم تسهل خداع الاخرين، أما وصف التحليل النفسي يلخص بصفات "ثالوث الظلام" النرجسية، السايكوباثية، الميكا فيليةالنرجسية هي تقدير عالي للذات وقناعته انه يستحق أكثر من الاخرين مما يجعله لا يشعر بالذنب والخطأ لما يقوم به، السايكوباثية نوع من أنواع الاضطراب النفسي ويوصف بالبرود العاطفي وعدم تأثره بما يحل من أذى بالأخرين، الميكا فيلية نوع من أنواع الانتهازية، مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، ليس بالضرورة توافر كل هذه الصفات في النصابين وهم ليسوامصنفين مرضى نفسيين الا هذه الصفات اشتهر بها كبار النصابين.                  

وفقاً لدراسة من المكتبة الوطنية الطبية، فإن الذكاء العاطفي يلعب دورا حاسما في حماية الافراد من النصب كلما زاد مستواه قلت فرص التعرض للخداع.وعلى الرغم من زيادة الوعي الاجتماعي بهذه الأساليب لدى عامة الناس، لايزال النصب مستمراً؟! ولعدة أسباب منها الطبيعة البشرية نفسها عرضة للاستغلال الطمع، الخوف، الرغبة في رد الجميل، التأثر بالضغوط النفسية والاجتماعية أحيانا وغير ذلك.

أن أساس التطور الحضاري والاجتماعي والاقتصادي بني على كلمة اسمها "الثقة" وهي من يلعب عليها المحتال من خلال استغلالها وللأسف حبن تمنح لشخص غير جدير بها يقع المحظور بدرس مرير اسمه محتال وفعله النصب.

 

لذا يتطلب حل هذه المشكلة بطرائق غير نمطية نذكر منها:

1. الاستجابة الأمنية الفورية المختصة بمكافحة جرائم الاحتيال.
2. التوعية الدائمة والتحذير المستمر من مخاطر النصب بكل الوسائل الإعلامية العامة والخاصةوتسليط الضوء على كل المستجدات لديهم.
3. دعم الضحايا نفسيا وارشادهم باتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية ضد المحتالين واجتماعية بالتوعية والتشهير بهم للتحجيم خطرهم.
4. حماية الضحايا قانونيا بملاحقة الجناة وتجنيب الضحايا العقاب جراء ما تعرضوا له، واجتماعيا بكسر حاجز الخوف من المجتمع والشعور بانخفاض تقدير الذات.
5. انشاء قاعدة بيانات خاصة بالجناة والمجني عليهم تضم كل عمليات النصب لغرض الدارساتوالوقاية من هكذا عمليات.