
التهجير القسري احتلال بذريعة الاعمار
التصنيف: مقالات
تاريخ النشر: 2025-02-12 06:09:20
الباحث
زهير حمودي الجبوري
قسم الدراسات السياسية
المقدمة :
لم تكن فكرة تهجير سكان غزة ونقلهم الى دول مجاورة فكرة ( ترامبية ) بل هي راودت الفكر الصهيوني منذ اول عملية تهجير للشعب الفلسطيني في عام 1948 بهدف احلال الشتات اليهودي بديلا عنه في الاراضي الفلسطينية .
الا ان الرئيس الامريكي دونالد ترامب اعاد الفكرة مع جدية في التنفيذ بذريعة انسانية لاهل غزة وتهديد سياسي للدول المعنية باستقبال المهجرين ، حيث قال ترامب من طائرته الخاصة (انه يريد ان يعيش اهل غزة في مكان خال من العنف، لقد كانت غزة جحيما لسنوات عديدة، يمكنهم العيش في مناطق افضل بكثير واكثر راحة)
وعندما سال عن رفض حكومة مصر والاردن هذه الفكرة اجاب ( لقد ساعدته كثيرا وامل ان يساعدنا، اعتقد انه سيفعل ذلك وسيفعل ملك الاردن ذلك ايضا ) بما يدلل ان هناك اصرار على تنفيذ الفكرة ولم تكن مجرد زلة لسان او ورقة مناورة وضغط على حماس والدول العربية .
- جذور فكرة تهجير سكان غزة في عام 1948 عاش الفلسطينيون اول عملية تهجير قسري لهم من مدنهم الى الدول العربية المجاورة بفعل هجمات العصابات الصهيونية واعلان دولة الكيان الصهيوني .
وشهد عام 1953 طرح «خطة سيناء»، التي دعمتها واشنطن، وتشمل «تهجير فلسطينيين» لتلك البقعة المصرية .
وفي عام 1968 عاود الفكر السياسي والامني الصهيوني انتاج محاولات التهجير، وذلك عبر طرح السياسي والعسكري الاسرائيلي، ايجال الون، على مجلس وزراء بلاده، خطة لفرض تسوية اقليمية تهدف لترحيل فلسطينيين الى الاردن ومصر، ولم تر النور.
وفي عام 1970، تبنى قائد المنطقة الجنوبية بالجيش الاسرائيلي، ارئيل شارون، الذي اصبح لاحقا رئيسا للوزراء، خطة لتفريغ قطاع غزة من سكانه، ونقل المئات منهم لسيناء ومدينة العريش، اللتين كانتا تحت الاحتلال الاسرائيلي وقتها، ولم تنجح في الاستمرار.
واستمرت المخططات مع عام 2000، مع تقديم القائد العسكري الاسرائيلي، غيورا ايلاند، مشروعا يتضمن تقديم القاهرة تنازلات عن اراض في سيناء لصالح دولة فلسطينية مقترحة، مقابل امتيازات لمصر، ولم يكتب له النجاح.
وفي عام 2004 تكرر ذلك المشروع على يد الرئيس السابق للجامعة العبرية بالقدس ( يوشع بن اريه )ولم يخرج من حيز النقاش للتنفيذ .
وفي عام 2018 وخلال ولاية ترامب الاولى بدا الحديث اعلاميا في عن خطة امريكية لتهجير الفلسطينيين تحت ما سمي بـ«صفقة القرن»، وفي مارس (اذار) 2019، اعلن ملك الاردن، عبد الله الثاني، رفض فكرة «الوطن البديل» والتوطين، مؤكدا ان فلسطين والقدس خط احمر، وسط مواقف رسمية واعلامية مصرية متكررة عن رفض مخططات التهجير.
وكشف ترمب عن الصفقة رسميا في ولايته الاولى عام 2020، تحت عنوان «السلام على طريق الازدهار»، ولاقت رفضا عربيا صريحا، ولم تتحقق مع خسارة الرئيس الاميركي انذاك الانتخابات الرئاسية امام منافسه جو بايدن
وفي عام 2023 واثناء الحرب على غزة بعد عملية طوفان الاقصى جاءت عودة اسرائيلية لـ«مخطط التهجير»، حيث كشفت ورقة نشرها معهد «مسجاف» الاسرائيلي، تدعو لابعاد الفلسطينيين الى مصر، حيث دعا وزير المالية المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، الى «الهجرة الطوعية واستيعاب عرب غزة في دول العالم».
و اخيرا وفي عام 2024 طرح ترمب مبادرة لكل من مصر والاردن لاستقبال المزيد من اللاجئين الفلسطينيين من غزة، والتي اعادت الفكرة بقوة الى الجدل والنقاش في الاوساط السياسية والاعلامي
الاستنتاجات :
- ان الخطورة من مشروع التهجير في هذه المرحلة انه جاء على لسان الرئيس الامريكي ترامب وتكرر لثلاث مرات مما يعني انه هناك اصرار على تطبيق الفكرة ، كما ان الرئيس ترامب معروف بعدم امتثاله للاعراف الدبلوماسية في علاقاته الدولية وانه دائما يعمل خارج الانساق المتعارف عليها في السياسة الخارجية .
- تغليف خطة التهجير بغطاء انساني باعتبار ان غزة اليوم وبعد التدمير التي تعرضت لها البني التحتية غير قابلة للسكن وان اعمارها يحتاج الى 10-15 عام ، ولحين اكمال الاعمار يجب نقل سكان غزة الى الاردن ومصر بشكل مؤقتا وهذا يجعل من خطة التهجير فيها جنبة انسانية لكي تلاقي قبولا وموافقة من بعض الاطراف الدولية .
- ذريعة التدمير تؤكد ان فكرة اخلاء غزة من سكانها كانت موجودة في عقلية الكيان الصهيوني منذ انطلاق الحرب على غزة وان التدمير الممنهج والمتعمد للبنى التحتية في غزة كان مقدمة لطرح مشروع التهجير القسري ، فقد شاهدنا عملية استهداف ممنهجة لكل مقومات الحياة في غزة لاجبار الاهالي على ترك مدنهم بعد انتهاء الحرب .
- اكدت تصريحات ترامب على وجود تنسيق عال وتفاهم متكامل بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الامريكية اثناء العدوان وبعده ، وان الادارة الامريكية لم تكن طرفا محايدا بل هو منحاز الى جانب الكيان الصهيوني وتتبنى الرؤية الصهيونية في المنطقة من خلال طرح مشروع القرن الجديد او الديانة الابراهيمية وهي مشاريع سياسية للتطبيع مع الكيان الصهيوني وفرض هيمنته على منطقة الشرق الاوسط .
- نبرة التهديد واستخدام الضغوط الاقتصادية القصوى التي يمارسها الرئيس الامريكي باتت واضحة في اجابته للصحفيين بخصوص الرفض الاردني والمصري لخطة التهجير حيث كرر انهما سيقبلان وان امريكا قدمت لهما الكثير ملمحا بالمعونات الاقتصادية التي تقدمهما الولايات المتحدة لمصر والاردن وعليهما تقديم القبول والموافقة على مقترح الرئيس الامريكي ، ان التهديد بقطع المعونات والدعم لقبول خطة التهجير تشكل سابقة خطيرة في العلاقات الدولية ، وقد تناسى ترامب ان الاستقرار السياسي في الاردن ومصر يساهم في تامين حدود الكيان الصهيوني معهما وان اي خلل في هذا الاستقرار يولد مخاطر امنية متوقعة على الكيان الصهيوني .
- ان عملية التهجير القسري لسكان غزة يتعارض مع كل القوانين الدولية والانسانية والاعراف الدولية ويناقض مع القرارات الاممية التي اكدت على حل الدولتين وحق تقرير المصير للشعوب ، وعلى ترامب ان يميز بين حق الشعب الفلسطيني التمسك بارضه كشعب اصيل وبين المهاجرين غير الشرعيين الداخلين الى الولايات المتحدة الامريكية الذي يعمل ترامب على ابعادهم الى بلدانهم بالقوة ، وان صلاحياته الرئاسية لاتكاد على العالم كله بل في حدود الجغرافية الامريكية.
- فكرة المقاول والعقل الاستثماري والتجاري القائم على الربح يهيمن على افكار وسلوكيات ترامب ظهرت في حديثه عن اخلاء غزة حيث يصف موقع غزة على البحر الذي يستحق ان يتحول الى مكان اخر غير سكن الفلسطينيين ، وهذا ما يتوافق مع ما طرحة صهر الرئيس رجل الاعمال كوشنير الذي وجد في غزة منطقة قابلة للاستثمار والتطوير وجعلها منتجع سياحي وتجاري دولي تساهم شركاته في تطويره واعماره مقدما الارباح المادية على مصير الشعوب وحقوقها .
- من اجل دعم موقف مصر والاردن الرافض لعملية التهجير القسري لسكان غزة على الجامعة العربية ان تخرج بموقف عربي موحد وقوي رافض لفكرة التهجير مع الاستعداد لتعويض الدعم الذي يتوقع ايقافه من ترامب اليهما ، بنفس الوقت تشكيل وفود الى الدول الكبرى لتقديم وجهة النظر العربية وتنفيذ القرارات الاممية الخاص بحل الدولتين وانهاء الصراع الذي اقرته الامم المتحدة في قراراتها السابقة.
- ولقطع الطريق على تنفيذ مقترح ترامب بالتهجير القسري لسكان غزة على جامعة الدول العربية انشاء صندوق اعمار غزة مع التحرك على الدول الاسلامية وحتى الدول المتعاطفة مع القضية الفلسطينية للمباشرة في توفير واعمار البنى التحتية في غزة لتكون قابلة للسكن وتشجيع عودة السكان و واد فكرة التهجير .
- اعتقد ان من دواعي اعادة طرح فكرة التهجير رغم حضورها السابق في ذهن الادارة الامريكية والكيان الصهيوني هو الصدمة من مشاهد عودة اهالي غزة الى بيوتهم المدمرة في اللحظة الاولى لوقف اطلاق النيران مع ظهور عناصر حماس وتمكنهم من ادارة ملف تبادل الاسرى بكامل جاهزيتهم والالتحام بين حماس وسكان غزة الذي افسد مشاعر الزهو الصهيوني بالنصر واعاد شعور المستوطنين الصهاينة بعدم الامن والخوف ، وزاد من قلق الاسرائليون على حقيقة النصر الذي يدعيه نتنياهو .