
بريكس والبحث عن حلف امني
التصنيف: مقالات
تاريخ النشر: 2024-09-29 06:05:44
زهير حمودي الجبوري
قسم الدراسات السياسية
يجمع الباحثون على ان (مجموعة بريكس) شكلت منذ انبثاقها عام 2009 الضد النوعي والجيوسياسي لـ (مجموعة السبع) التي تمثل الرؤية السياسية والاقتصادية للعالم الغربي ، واذا انتجت (بريكس) حلفا عسكريا او امنيا من اعضائها فانه سيمثل المكافئة المعادل لـ (حلف الناتو) الواجهة العسكرية للنظام الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية كقطب اوحد بمعية الاتحاد الاوربي المتسق معها كليا في التوجهات والسلوك . واذا تحقق ذلك فاننا سنكون فعلا قد دخلنا النظام العالمي متعدد الاقطاب .
وهذا ما يبدو قريبا للحدوث حيث استضافت - مكتبة بوريس يلتسين - في مدينة - سان بطرسبورغ - الروسية في العاشر من ايلول عام 2024 اجتماعا لكبار المسؤولين الامنيين ومسؤولي الامن الوطني في كل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا وايران واثيوبيا والامارات العربية المتحدة واخرون بهدف تاسيس هيكل امني خاص بالمجموعة بعنوان ( لجنة الامن لبريكس) لمواجهة التهديدات المشتركة لدول المجموعة والمتمثلة بالارهاب والمخدرات والتطرف وتهديدات الفضاء السيبراني والانشطة البايولوجية والذكاء الاصطناعي والاقمار الصناعية والاتجار بالبشر واستخدام التكنلوجيا الحديثة.
ولكن بقراءة دقيقة لتصريحات بعض المشاركين في المؤتمر الامني نتلمس بوضوح ان النوايا التي يسعى لتحقيقها هذا الحلف يتجاوز الحدود الامنية الصرفة الى احداث توازن قوى عالمية عسكرية جديد يرسم ملامح النظام الدولي متعدد الاقطاب ، لهذا فإن - سيرغي شويغو - امين مجلس الامن الروسي يقول ( عدد من الدول الغربية تفرض قواعدها على المجتمع الدولي، مثل هذه القواعد تتعارض مع جوهر القانون الدولي وهذا التاكل لنظام الامن الدولي باكمله يشكل تهديدا للدول ذات السيادة ) ليؤكد على ضرورة كسر الهيمنة الغربية على المجتمع الدولي لما يمثله من تهديد للدول الاخرى ولا بد من تعديل هذا النظام العالمي.
بينما صرح - علي اكبر احمديان - امين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني قائلا ( ان العالم في تغيير، وبريكس بفضل عدد سكانها وسعتها واقتصادها وقوتها يمكن ان تكون مبتكرة ومبدعة في انشاء هيكل امني على الساحة الدولية للمساعدة في تحقيق النظام والامن العالمي المستقبلي، وان الهيئات الدولية الحالية تفتقر الى الكفاءة لارساء السلام والاستقرار المستدام في العالم) وهنا يظهر الطموح الحقيقي لمجموعة بريكس بهيكل امني يلعب دورا عالميا يتجاوز جغرافية دول المجموعة الى جميع انحاء العالم .
العامل الجيوسياسي لبريكس :
حسب المعيار الجيوسياسي فان الموقع الجغرافي لدول مجموعة بريكس الاخذ بالتوسع بعد العديد من طلبات الانضمام من دول اخرى يجعلها تملك القدرة على ان تكون قطبا عالميا فاعلا، ومنافس جدير بالاحترام ، من الناحية الجغرافية فان مساحات دول بريكس تقع ضمن قلب العالم الذي حسب نظرية - هالفرد ماكندر- والذي يضم روسيا والصين وجنوب اسيا والمحيط المنجمد، كما تقع ايضا ضمن منطقة الاطار التي نظر لها - نيكولاس سيبكمان - في نظرية الاطار والتي تضم اسيا الصغرى وجنوب شرق اسيا والصين وشرق سيبريا والعالم العربي وافريقيا ، وتنص هاتان النظريتان على ان من يملك القب او الاطار فهو يضمن السيطرة على العالم.
تضاف الى ذلك ان المساحة الكلية التي تملكها بريكس تشكل 27/ من مساحة العالم (4مليون كم2) ومؤهلة للتوسع بزيادة الدول المنظمة للمجموعة، بينما الحجم السكاني يمثل 42 - 50/ من سكان العالم.
اما من الناحية الاقتصادية فان مجموعة بريكس تملك مؤهلات تمكنها من التنافس والصدارة حيث تضم الاقتصاديات الخمسة الاكثر صعودا على المستوى العالمي في العقود الاخيرة مثل الصين والبرازيل والهند وجنوب افريقيا ، وتساهم دول المجموعة في 23/ من الاقتصاد العالمي ، وتنتج 30/ من السلع والخدمات التي يحتاجها العالم ،وتستحوذ على 40/ من انتاج الطاقة العالمي ، بينما بلغ حجم الناتج المحلي الاجمالي لدول البريكس 44 ترليون دولار امريكي، بينما الاحتياطي النقدي الاجنبي بلغ 4 ترليون دولار امريكي، هذه المعطيات الجيوسياسية والاقتصادية تمهد لظهور قطب عالمي جديد يكسر الاحادية القطبية ويدشن نظام التعددية القطبية بعد اكتمال الاطر الهيكلية والبنيوية للتجمع .
امل القوة العسكرية لبريكس :
يعتبر التسليح والقدرات العسكرية والامنية العامل الاهم في احتلال موقع الهيمنة العالمية ، وخلق تحالف دولي يتكامل مع مكوناته لابد منه لاحداث توازن قوى عالمي يناظر تحالف الناتو المهيمن ، وهذا ما دفع قادة الدول في مجموعة بريكس لعقد مباحثات جادة لتكوين تحالف امني عسكري اطلق علية لجنة الامن لبريكس استنادا على جملة من المؤهلات التي تساعد على تحقيق هذا الهدف المنشود حيث تضم المجموعة ثلاثة من اقوى جيوش العالم حسب موقع - كلوبال فاير بور - الامريكي لعام 2023 ، فالجيش الروسي يحتل المرتبة الثانية عالميا وتاتي الصين في المرتبة الثالثة والهند في المرتبة الرابعة ، بينما جاءت البرازيل في المرتبة 12 وجنوب افريقيا في المرتبة 33 عالميا، بينما وصل الانفاق العسكري الكلي لهذه الجيوش الخمسة ما يقارب 400 مليار دولار امريكي حسب نفس الموقع ، اما القدرات القتالية التسليحية لهذه الجيوش هي 10500 طائرة حربية، و22700 دبابة ، واكثر من 500 الف مدرعة ، وما يقارب 10000 مدفع ، واكثر من 8000 راجمة صواريخ ، وما يقارب 2000 وحدة بحرية ، وهذا يفوق القدرات التسليحية لقوات حلف الناتو.
اما فيما يتعلق بالقدرات النووية فتشير الاحصاءات المعتمدة الى ان روسيا صاحبة اضخم قوة نووية في العالم وتبلغ تقريبا 6000 قنبلة نووية ، والصين تملك 400 قنبلة نووية وتحتل المرتبة الثالثة عالميا ، بينما تحتل الهند المرتبة الثامنة عالميا ب 164 قنبلة نووية ، وهو اكثر من القنابل النووية التي تملكها جيوش حلف الناتو وعددها (6000) مجتمعة.
إن هذه الاحصائيات وغيرها تؤهل مجموعة بريكس اذا ما شكلت حلفا امنيا وعسكريا لان تكون منافسا لحلف الناتو يمكن أن يحقق توازن قوى عالمي بعد استكمال المتطلبات الهيكلية والاستراتيجية لادارة هذا الدور العالمي الهام.
الدوافع الجماعية والفردية لتحالف بريكس الامني :
على الرغم من التنوع الجغرافي والسياسي والحضاري والثقافي وحتى الاقتصادي بين الدول الداخلة والراغبة بالدخول في مجموعة بريكس الا انها تكاد تتفق مع بعضها في بعض الدوافع المشتركة منها ان هذه الدول تشترك برؤية واحدة هي عدم الرضا من الخضوع للتفرد الامريكي الغربي بمقدرات العالم عبر تحكمها بالمؤسسات السياسية والاقتصادية والامنية العالمية وتغييب دور الدول الصاعدة وعدم منحها الفرصة اللازمة والمستحقة لها بالمشاركة في صناعة القرار العالمي، كما ان هذه الدول تفكر بنفس الطريقة باخذ فرصتها من خلال تشكيل تحالف سياسي واقتصادي وامني قادر على تحقيق التوازن العالمي ووجدت ضالتها في تجمع بريكس ، كما ترى دول البريكس ان التحالف عبر المحيط الهندي والهادي اكثر اهمية من التحالفات الاخرى وتعمل على ادماج الجنوب العالمي في المؤسسات الدولية الفاعلة وان اسيا وافريقيا وامريكا الجنوبية قادرة على المشاركة في قيادة العالم وان الهيمنة العالمية يجب ان لا تكون حكرا على الشمال العالمي .
وتعول روسيا على مجموعة بريكس بجملة من الاهداف الخاصة منها تاكيد فشل سياسة العزل التي يتبعها الغرب بحقها لمنع عودتها كقطب عالمي منافس ، وخاصة بعد حربها على اوكرانيا التي عرضتها الى مصفوفة من العقوبات الدوليةالاقتصادية والمالية ، كما ان تداعيات الحرب الاوكرانية الاخيرة التي تمثلت بدعم حلف الناتو لاوكرانيا باسلحة غربية والسماح لها باستخدامها لاستهداف الاراضي الروسية واحتلالها لمدينة كورسك الروسية يجعلها في مواجهة مباشرة مع حلف الناتو ، وهي تعلم انها وحدها غير قادرة على مثل هذه المواجهة ولابد من تعضيد موقفها بحلف عسكري يعادل كفتها مقابل الناتو فوجدت في الصين وايران خير معين في ظل مجموعة بريكس.
بينما تجد الصين في مجموعة بريكس قوة اقتصادية تمنحها التفوق العالمي من خلال شراكات متعددة عبر مشروعها الكبير الحزام والطريق الذي يمتد الى افريقيا واسيا ، كما انها بحاجة الى تحالف امني يدعمها في صراعها المتوقع مع الولايات المتحدة الامريكية في بحر الصين واستعادة هيمنتها على تايوان وهونغ كونغ .
أما ايران فإنها تجد فرصة لفك الحصار والعقوبات المفروضة عليها من الغرب عبر الدخول في مجموعة بريكس لكسر هذا الحصار وبيع النفط وتطوير التبادل التجاري، وفي ذات الوقت نجدها مندفعة بقوة لخلق لجنة بريكس الامنية للحد من الهجمات الاسرائيلية المدعومة من الغرب على الاراضي الايرانية مع التوقعات بنشوب صراع بات قريبا بعد الحرب على غزة ودعمها لمحور المقاومة ضد الكيان الصهيوني ، كما أن التحالف يضمن لها عودتها الجدية الى تفعيل ملفها الامني.
كما ان قضايا مثل التبادل التجاري والمشاريع الاستثمارية والقروض الصناعية وتمويل طرق التجارة العالمية والتكامل في مجال الطاقة والغاز والمحاصيل الاستراتيجية وتسويق المنتجات المختلفة بدون شروط ومواقف سياسية وخالية من العقوبات والحصار الذي يفرضها الغرب دفعت وتدفع الكثير من الدول الى الانضمام الى مجموعة بريكس .
التحديات التي تواجه بريكس :
ان اي مشروع بهذا المستوى العالمي يواجه الكثير من التحديات والمصاعب قبل ان يتحول مشروع واقعي قادر على تحقيق اهدافه ، ورغم النوايا والحرص والارادة لدى اعضاء بريكس على تحقيق اهداف المجموعة لكنه يواجه بعض التحديات منها :
- عدم تجانس الانظمة السياسية لدول مجموعة بريكس وتباين هياكلها وعقيدتها السياسية مع امكانية تبدل هذه الانظمة لغياب التجارب الديمقراطية الناضجة و الرصينة مما يشكل خليطا صعب التجانس كما هو الحال في حلف الناتو او مجموعة السبع .
- غياب الهيكلية الادارية المتفق عليها بين الدول الاعضاء وعدم وجود ميثاق ينظم اليات العضوية والتصويت والتمويل والرئاسة ، بينما نجد ميثاق ينظم عمل الناتو وسكرتارية تمثل الهيكل الاداري والية واضحة في صنع القرار.
- التشرذم الجغرافي لدول مجموعة بريكس تحديا اخر امام نجاح مجموعة بريكس خاصة في الملف الامني حيث تتوزع الدول المؤسسة للمجموعة على اربع قارات هي اوربا واسيا وامريكا الجنوبية وافريقيا مع اقاليم متباينة على عكس حلف الناتو الذي يمتد على جغرافية مترابطة تتركز على قارة اوربا.
- التباين الكبيرة في القدرات الاقتصادية خاصة للدول الجديدة الراغبة في الانضمام حيث هناك دول تعاني من ازمات اقتصادية وضعف في الهياكل الاقتصادية مما يعيق الدول ذات النمو الاقتصادي الصاعد ويرهقها ، بينما يضع الناتو شروطا معينة لابد من توفرها للدخول الى الناتو وهذا مادفع تركيا لابداء الرغبة في دخول بريكس عندما واجهت صعوبات في الدخول الى الناتو.
- التباين الكبير بين الخلفيات الحضارية والثقافية للاعضاء الرئيسيين في مجموعة بريكس فهناك الحضارة الهندوسية التي تمثلها الهند ، والحضارة البوذية متمثلة بالصين ، والحضارة اللاتينية متمثلة بالبرازيل ، بينما تمثل جنوب افريقيا الحضارة الافريقية ، اضافة الى الحضارة الارثوذكسية الشرقية التي تتبناها الروس ، وان عملية المزج والانسجام بين هذا التنوع الحضاري يواجه صعوبة، بينما تجمع دول الناتو تقريبا حضارات وثقافة متقاربة تجمع حكومات وشعوب هذه الدول.
- هناك خلافات وصراعات بينية داخل الدول المنضوية في تحالف بريكس مثل الخلاف الهندي الصيني وكذلك الخلاف القديم بين الصين وروسيا وكذلك هناك خلاف بين ايران العضو والارجنتين الراغبة في الانضمام ، وتشكل هذه الازمات تحديا صعبا لم يواجه مثله حلف الناتو .