
مواقع التواصل الاجتماعي وصناعة الرأي العام
التصنيف: مقالات
تاريخ النشر: 2024-09-16 16:04:21
د.علاء حسين عبد
كلية الإعلام – جامعة الفراهيدي
يتفق الخبراء على أهمية الرأي العام باعتباره قوة حقيقية، ويمتلك قوة حقيقية في الاعم الاغلب من الاحداث التي يكون له راي فيها، فهو مرتبط بقوة غير مرئية تخرج إلى العلن وتبدأ بفرد وتكبر لتصبح بالملايين، خاصة مع الاجواء الديمقراطية التي بحسب التصنيف السياسي للعلاقة بين الحكومة والمواطن، حيث يمكن لنا التعبير عن فكرة أو رأي أو موقف، إذ يصبح للرأي العام القدرة على تقييد صناع القرار في اغلب المواقف ولكنه يحتاج إلى الاجماع في ذلك.
وتُعد عملية توجيه الرأي العام من الاهتمامات القديمة التي سعى لها متخذ القرارات في رأس السلطة أو المعارضين له، حيث تقوم الجهات ذات العلاقة بالتحشيد لجمع عدد من الاراء بهدف بناء منظومة للرأي العام الذي يسلك الاتجاه المطلوب وهو تسعى له تلك الجهات لتحقيق هدف محدد.
ولان البشرية شهدت العديد من القفزات العلمية والانسانية التي تزامنت في البناء الانساني والرقي المعرفي والتطور وذلك منذ ظهور الكتابة والتدوين باستخدام مختلف الوسائل التي تنوعت عبر الازمات والاحداث التي سار بها ركب التطور الحضاري حتى ظهور الطباعة، تلك الوسيلة التي نشرت العلم مكتوبا بشكل اعجازي ليصل بسهولة للعديد من الأفراد خلال السنوات التي سبقت اعظم الاختراعات، الا وهو الانترنت، الذي بدوره نقل واختصر الكثير من التحرك نحو الامام في حياة الانسان بتأثير طردي مع كل تطور يطرأ على هذا الاختراع، ومنها مواقع التواصل الاجتماعي التي ادخلت تغييرات هائلة على حياة البشر من الصغار والكبار في المنزل والمدرسة والعمل والشارع ...الخ.
إن مواقع التواصل الاجتماعي عبارة عن مجموعة شبكات تسمح للمستخدم بربط موقعه مع مواقع اخرى بهدف التواصل والتعارف وتبادل الاراء والمعلومات والمقاطع المرئية والصوتية، عن طريق رد الفعل أو ما يعرف ( بالتفاعلية )، حيث اصبح بامكان الجميع ان التعليق على اراء الاخرين بالسلب أو بالايجاب، رفضاً أو تأييدا، تحشيداً أو تفرقةً، مما اسهم في امتلاك الفرد لكم هائل من المعلومات لموضوع معين وذلك في خلال مدة زمنية قصيرة، مما سمح للكل بان يمتلك رأياً خاصا به يقترب أو يندمج مع آخرين أو يخالفهم بحسب عدد من العوامل (اجتماعية ودينية واقتصادية وسياسية) والتي لا زالت مؤثرة في بناء الرأي العام العراقي ومنها
1 – المشكلات اليومية التي يتعرض لها افراد المجتمع.
2 – التدفق الاخباري الهائل للمعلومات من مختلف المصادر.
3 – الشائعات المدروسة بعناية.
4 – الأوضاع الدولية المؤثرة بشكل مباشر أو غير مباشر على الفرد العراقي.
5 – قادة الرأي من السياسيين والزعامات الدينية وشيوخ العشائر.
6 – العادات والتقاليد والاعراف والثقافة الشخصية والعامة.
7 – الازمات التي يتعرض لها الفرد العراقي وقوة تاثيرها على حياته اليومية.
8 – الوعي بما يحدث حوله في البيئة التي يعيش فيها.
فالعديد من القضايا تطرح للنقاش، ولكن المسارات التي تتخذها هذه القضايا يتأثر بما سبق من العوامل، لذا نجد ان العوامل والتاثيرات السابقة ذات دلالات تم التعبير عنها من خلال شبكات التواصل الاجتماعي الحديثة والتي تعتبر من أهم آليات تشكيل وصناعة الرأي العام في وقتنا الحالي، بعد ان أحدثت فارقا كبيرا في مجال الاتصال، فصلاً عما تميزت به من بقوة التأثير نظرا لما توفره من معلومات وأفكار تسمح للأفراد بتشكيل رؤى خاصة يتم من خلالها طرح أفكارهم وآراءهم، وتحويلها إلى حالة من النقاش والجدل تجاه القضايا المطروحة في المجتمع خصوصا ذات الطابع السياسي والديني والامني وغيرها مما يمكن ان يعتبر من قضايا الرأي العام في العراق.
ومن خلال ما تم عرضه يمكننا صياغة السؤال التالي كيف لمواقع التواصل الاجتماعي ان تؤثر على اتجاهات وسلوك الرأي العام العراقي؟ ان الاجابة عن مثل هذا السؤال تنقسم إلى عدة محاور، وكما يأتي:
1 – مصدر المعلومة التي تصل إلى المواطن، هل هي من مصادر معتمدة أم غير ذلك ليتبنى بعدها رأيه الخاص الذي يمكن ان يتطور بعد التفاعل مع الاخرين إلى رأي عام محدود أو كبير وبحسب اهمية الموضوع للافراد،
2 – تاثير المعلومة على اهتمامات المواطن، هل تقع من ضمنها ام انها لا تعني له شيئاً.
3 – ما الموقع الذي وصلت عن طريقه المعلومة، الفيسبوك، تويتر، انستغرام، تليكرام .... الخ.
4– ما عدد المتابعين على نفس الموقع ممن يشترك معهم في التفاعل على ذلك الموقع، وهل يشتركون بنفس الاهتمامات.
من خلال الاجابة عن الاستفهامات السابقة يمكن لنا ان نقترب من الاجابة عن مدى تاثير مواقع التواصل الاجتماعي على اتجاهات الرأي العام العراقي لاحد المواضيع التي تقع ضمن اهتماماته، وفي حشد الأفراد لإقناعهم بتبني افكار معينة أو لتطبيق معين، باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ونرى من الاهمية في هذا الشأن ان نوجه المعلومات عبر تلك المواقع لأنشاء وجهة نظر أو تركيز بيانات داخل عقول المستقبلين والمتفاعلين، مما يقود إلى إلى اقناع المشاركين عبر التواصل الشخصي بالرغم من بطء العملية الا انها ذات تاثير متدرج متسع يظهر برجع الصدى السلوكي بعد التعبير عن الاراء بينهم، وتحفيزهم باظهار ان رأيهم العام هو راي خاص بهم ظهر وتبلور عبر فهم عميق ودراسة متانية وتبادل معرفي بين افراد المجتمع، وتصديق ان البداية والشرارة الأولى انطلقت منهم لا من غيرهم، وبهذا يكون تاثير مواقع التواصل الاجتماعي اكثر فاعلية من مجرد التحفيز واكثر ذكاءً.
ويتطلب التاثير على المتفاعلين والمشاركين عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحقيق هدفين اساسيين: الأول هو تغيير طريقة تفكير المتلقي، حيث يستخدم كل شخص شكلاً من الاستدلال العقلي لاستيعاب كم المعلومات الموجه نحوه، عبر مرشحات يعتمدها الفرد لمعالجة تلك المعلومات التي تطابق توجهاتهم وانتمائاتهم، ويرفضون ما لا يتطابق مع ذلك، فيصبح هو الموجه للاخرين والداعم للافكار التي زرعت فيه عبر تلك المواقع.
الهدف الثاني يسعى لان يغير الفرد سلوكه الشخصي، وهذا يعتمد كلياً على تحقيق الهدف الأول، فعملية تغيير السلوك تعد تعبيراً مرئياً للاخرين لملاحظة التغيير في الافكار، (لان الافكار لاترى بالعين ولكن السلوك يظهرها بوضوح)، وهنا يظهر الدور الفعلي لمواقع التواصل الاجتماعي، في كيفية استخدام الوسيلة الإعلامية المؤثرة على الفرد من كلمة أو صوت أو فديو ينتقل عبر الانترنت ليصل بلا جهد يبذله المتلقي ومن ثم يقتنع تدريجيا ويبدأ بالتحشيد ليظهر للاخرين انه نقطة البداية.
ولابد هنا من الاشارة إلى موضوع بالغ الاهمية وضروري لنجاح التاثير الذي تؤديه مواقع التواصل الاجتماعي على الفرد لبناء راي عام الا وهو الثقة بمصدر المعلومة، فقد ذكر ( دنيس ماكويل في كتابه نظرية ماكويل للاتصال الجماهيري) إطاراً يشير إلى خمسة أشكال بديلة لعلاقة الاتصال التي يمكن ان يمارس فيها القائم بالاتصال (مواقع التواصل الاجتماعي) السلطة الاجتماعية ويقبل فيها المتلقي التاثير، ويتمثل الافتراض الاساسي في ان التاثير الذي يحدث من خلال الاتصال هو احد اشكال ممارسة السلطة التي تستند إلى اصول أو ممتلكات معينة لعامل التاثير (القائم بالاتصال)، يمكن تصنيف أول نوعين من اصول السلطة (المعنى هنا بالسلطة هو سلطة وسائل التواصل الاجتماعي ومن يديرها) على التوالي إلى الحافز والاكراه، فيعتمد الأول على وجود حالة من الاشباع للمتلقي من الرسالة، والآخر على بعض النتائج السلبية لعدم الامتثال، النوع الثالث يتمثل بالمكانة أو السلطة المرجعية التي يتمتع بها المرسل بحيث يؤيد المتلقي الشخص ويتأثر به عن طيب خاطر لأسباب عاطفية، الحافز الرابع هو وجود سلطة شرعية يُقبل وفقاً لها التاثير بناءً على افتراض ان المرسل يدعي بقوة بانه يتوقع ان يُتبَع ويُقَدر، واخيرا هناك حافز الخبراء التي تعمل عندما ينسب المتلقي المعرفة إلى المصدر المرسل.
ولهذا فإن كل تلك العوامل تؤدي إلى تقليل فرصة الفرد المتلقي في أن يكون لنفسه رأياً مستقلا حول القضايا المثارة، وبالتالي تزداد فرصة المؤثرين من مستخدمي مواقع التواصل في تكوين الأفكار والاتجاهات المؤثرة في الرأي العام وفى سلوكيات الأفراد أنفسهم وازدادت كيفية التأثير على كم هائل من الناس في نفس الوقت، ازدياد مذهل، وهذه الثورة المعلوماتية نتج عنها انفجار معلوماتي وأصبح الناس في مواجهة الالاف من الرسائل يومياً وبات عليهم أن يستوعبوا هذه الرسائل ويعالجوها بسرعة، وبعدها لا وقت لديهم للمزيد فالأسهل أن يختصروها بقبولها فوراً وبدون التفكير فيها.
وخلال السنوات العشر الماضية اكتسبت مواقع التواصل الاجتماعي دورها عن طريق اتخاذ هذه الأنواع المبتكرة من وسائل الاتصال أشكالاً تطبيقية جديدة في مجال استعمالها في عدة ميادين، ولغاياتٍ وأهداف متعددة، وليس حصراً في السعي إلى اكتساب أصحاب جدد أو لتكوين شبكة واسعة للتواصل معهم، وهو الطابع الذي اتخذته على الصعيد الشبابي في بداياتها. لكنها اليوم بدأت تحقق غزواً نوعياً مختلفاً، في جذبها فئات أكثر نضوجاً بعد أن تحولت هذه المواقع إلى وسيلة تأثير من الدرجة الأولى، وبخاصة بعد أن باتت تؤدي دورا بارزاً في نشر الخبر وفي التأثير على مشاعر الجماهير، وتحولت إلى وسيلة تتميز بالسرعة الفائقة لتوصيل المعلومة ولمواكبة الحدث، بحيث باتت تشكل منصات التواصل الاجتماعي الوسيلة المفضلة لوصول الرسائل لمن يهمه الأمر. ولهذه الأسباب، تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى مركزَ اهتمام واستقطاب للانتباه والتركيز، وصار تأثيرها في الرأي العام واضحا بشكل أكبر.
مقترحات:
1 – إن يتم تحديد مصدر واحد فقط لكل مؤسسة رسمية يتولى فيها التصريح بالمعلومات كي لا يحدث اي تضارب يستغله الاخرين في نشر الاكاذيب أو تشويه الحقائق.
2 – رصد وتحليل المعلومات الواردة في مواقع التواصل الاجتماعي.
3 – استخدام مختلف وسائل الاتصال الجماهيري في نشر الحقائق، وكشف كذب وزيف المعلومات المتداولة على تلك المواقع.
4 – الالتزام بالشفافية الكاملة، وعرض المعلومات بالصوت والصورة لازالت اي شكوك تراود الأفراد.