القوة الناعمة للنساء في جهود مكافحة التطرف العنيف

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2024-07-16 07:18:24

د.اسماء خيرالله كريم
قسم دراسات التطرف العنيف

  يمكن القول إن القوة الناعمة تشمل مجموعة واسعة من العناصر مثل الأفكار والمبادئ والأخلاق الناتجة عن التفاعلات الاجتماعية فى كل المجالات، مثل الثقافة والفنون والتعليم،)البنية الفوقية) وصولًا الى سياسات الدول وبرامج السياسيين، فهي بالتالي مجموعة من الأفكار والمبادئ والأخلاق التى رسخت في النسيج الاجتماعي للمجتمع.

   وبعد التحول الذي طرأ على مفهوم القوة والذي أعقب الحرب الباردة  بدأ المفكرون والكتاب يركزون في مفهوم القوة على جزئية السيطرة على النتائج، وبدأ المنظرون الأميركيون  في  طرح  مفاهيم  جديدة   ومختلفة  للقوة،  تبلورت  في  ما  بعد  تحت مسمى القوة الناعمة،  وقد   فرض  هذا  النوع  من  القوة  نفسه  وأضحى  من أهمّ  العناصر  التي  تعتمدها  الدول  في  برامجها وسياساتها.  

وللقوة الناعمة أبعاد وأركان أهمها  القدرة على  تشكيل  تصوّرات  ومفاهيم  الآخرين  وتلوين  ثقافتهم  والقدرة على توجيه  سلوكياتهم،  وهي أداة فاعلة في مكافحة التطرف ومنعه من حيث أن منــع التطــرف العنيــف ومكافحــة التطــرف العنيــف همــا تعبيــران يصفــان وســائل معالجــة التطــرف العنيــف، ومــع ذلــك، فــإن المنــع يعنـي إيقـاف المشـكلة قبل التضخم، ويتطلـب هـذا معالجــة الظــروف، والاســباب التــي تقــود للتطــرف العنيــف، أمــا المكافحــة فهــي تشــير إلــى البرامــج والاســتراتيجيات والاجــراءات التــي تعمــل علــى تفكيـك الفكر العنيـف وتشـجيع البدائـل المعتدلة، و يشــمل أيضــا إعــادة تأهيــل وإدماج المتطرفيــن العنيفيــن المحكومين بتهم ارهاب.
أن المنــع والمكافحــة هــي إجــراءات اســتباقية لســد الطريــق أمــام جهــود الجماعــات المتطرفــة فــي اســتقطاب عناصــر وتجنيدهم لصالحها. و القوة الناعمة النسائية هي قوة فاعلة في جهود مكافحة التطرف من حيث انها صاحبة مصلحة اساسية في ذلك، إذ أن الدور الذي تضطلع به النساء في المجتمع بشكل عام والاسرة بشكل خاص أساسي ومؤثر على الافراد ، فدور الأم في كشف المبكر عن التطرف اساسي وللأمهات ايضا دور استراتجي لمساعدة الابناء على مواجهة التحديات والعودة عن التطرف، فقيم المجتمع التي تؤكد على أهمية الأم وعلى ضرورة البر بها واخلاقيات التعامل معها والتي ينشأ عليها الافراد في المجتمع وتُنميها المؤسسات التربوية (المدرسة - النادي – دور العبادة) فضلاً عن تلك الرابطة من التواصل النفسي والعاطفي والتي تؤدي  دوراً مهما في برامج مكافحة التطرف العنيف إذ تشكل المرأة قوة ناعمة قادرة على تغيير اتجاهات المتطرفين بدرجة كبيرة بمساعدة الأمهات، الامر الذي يتطلب أن لا تكون النساء مستهدفة في سياسات منع التطرف ومكافحته وحسب، بل يجب أن تشارك مشاركة اساسية في تصميمها وتنفيذها.

إن منـح النسـاء والفتيـات دورا و أهميـة في مكافحة التطرف ســيكون دافع قوي لهن لتحقيــق نتائــج أفضــل وأكثــر اســتدامة فــي هـذا المجـال، بما يدعـم اسـتقرار المجتمعـات. كما إن تمكيــن النســاء اقتصاديــا واجتماعيــا وسياســيا ضرورة مــن أجــل تحصينهــن مــن الوقــوع فــي خطــر التطــرف العنيــف، مما يتطلب إدمــاج النســاء والمنظمــات النســائية فــي صميــم برامــج واســتراتيجيات منــع التطــرف العنيــف ومكافحتــه، حيث تضطلع النساء بأدوار عدة في جهود مكافحة التطرف اهمها دورهن الاساسي كونهن أمهات لهن تأثير على الابناء، و لهــذا الســبب فهــن بحاجــة الــى تأهيلهــن مــن أجــل رفــع وعيهــن كأمهــات فــي هــذا الـدور، ويمكـن لجهـود التوعيـة أن تشـمل: اسـتخدام وسـائل التواصـل الاجتماعـي، والبرامـج التلفزيونيـة التــي تســتهدف ربــات البيــوت بشــكل خــاص.

ويمكن  للنساء أيضا أن يؤدين دور مرشدات دينيات كما هو في التجربة المصرية، والمغربية للحد من التطرف من خلال التواصل مع النساء في المجتمعات المحلية (الجوامع- الملتقيات النسوية) والتأكيد على الاعتدال ونبذ التطرف والحفاظ على السلم المجتمعي ورفع الوعي النسوي.

   وتؤدي العاملات في القطاع الامني وبالأخص في الشرطة المجتمعية دوراً في جهود مكافحة التطرف من خلال الاحتكاك المباشر بالفئات المهمشة من النساء والاطفال ولمنع استغلال هذه الفئات في التجنيد من قبل الجماعات المتطرف باعتماد الثقة المتبادلة بينهم والمتابعة لاوضاعهم، اذ تتمكن الشــرطيات مــن جمــع معلومـات مختلفـة حـول التهديـدات الامنيـة بسـبب وصولهـن إلـى أماكـن التـي لا يسـمح فيهـا للرجـال بالولــوج إليها.

     كما أن دور منظمــات مجتمع المدني النســوية، فــي مكافحــة التطــرف العنيــف مهمة، لان الجهود الحكومية لوحدها غير كافية إذ لم تساندها قوى أخرى مثل جهود منظمات مجتمع المدني اللصيقة بالمجتمعات المحلية من خلال دورها في تمكيـن النسـاء وبنـاء القـدراتهن فـي الحيـاة العامـة لوقايــتهن من الوقوع في مصائد التجنيد في التطــرف العنيــف.

وتؤدي الصحفيات والاعلاميات دورا في مكافحة التطرف من خلال الرسالة الاعلامية إذ تتميـز النسـاء والشـباب المسـتهدفين، فـي مرحلـة مـا قبـل التطـرف، بـأن لهـم سـمة مشـتركة، وهـو الاحســاس بأنهــم مهمشين ومظلومين وغير مرغوب بهم الامر الذي يسهل عملية استغلالهم الامر الذي يتطلب جهود اعلامية وصحفية قادرة على ايصال رسائل مضادة وموجهه لمنع التطرف العنيف والاعلاميات هنا لهن دور مؤثر ايضا في جهود مكافحة التطرف من خلال دورهن الفاعل في مجال الاعلام والصحفة.

   وبالتالي نجد ان القوة الناعمة النسوية لها دور مهم في جهود مكافحة التطرف ولا يمكن تجاهله سواءاً اكان هذا الدور على الصعيد المؤسساتي أم على صعيد منظمات المجتمع المدني.  إذ حثت القرارات الدولية والاممية ومنها قراران  1325 و 2535 التي تخص أجندة المرأة و السلام و الامن والتي تؤكد ضرورة اشراك النساء في مكافحة التطرف العنيف وعلى ضوء هذا عملت اللجنة الوطنية لمكافحة التطرف العنيف على تشكيل مجموعة العمل النسائية بالتنسيق مع الشركاء الدوليين لتفعيل دور المرأة في جهود مكافحة التطرف والتي بدأت اعمالها بالفعل .

     وكما نفذ قسم دراسات التطرف العنيف في مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية، جملة من الأنشطة في مواجهة التطرف في سياق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف العنيف المؤدي إلى الأرهاب، وتمثلت بالورش والندوات والمؤتمرات والدورات التدريبية، وبالتعاون مع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية،  وبالتأكيد فيها على دور النساء في مكافحة التطرف وعلى التزامات العراق الدولية في اشراك النساء في جهود مكافحة التطرف.

وفي الختام فأن دور النساء في مكافحة التطرف لا يمكن تجاهلها أو التقليل من اهميته من خلال تعزيز التوعية وتقديم الدعم و التدريب للنساء،  والمشاركة في صنع القرار والمساهمة في اعادة الاستقرار والسلام في المجتمع.