الدروس والعبر من واقعة الطف الصلابة النفسية عند السيدة زينب (عليها السلام )

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2024-07-16 07:12:06

الباحث أحمد مزاحم هادي

قسم دراسات التطرف العنيف

إنَ الضغوط ظاهرة من ظواهر الحياة الإنسانية، يواجهها الإنسان في أوقات ومواقف مختلفة، تتطلب منه توافقا نسبياً مع البيئة، وتعرف الصلابة في علم النفس بقوة الشخصية بإدارة الأفراد بصورة ايجابية في المواقف العصيبة، والإيمان بالسيطرة.

تعد واقعة الطف، التي وقعت في العاشر من محرم سنة 61 هـ (680 م)، واحدة من أعظم الملاحم في التاريخ الإسلامي، اذ ادت السيدة زينب عليها السلام، دوراً محورياً في هذه الواقعة وفيما تلاها من أحداث، اذ اعدها الكتاب والمؤرخين نموذجاً للصلابة النفسية والشجاعة في مواجهة المصائب والأزمات.

بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه، تحولت السيدة زينب من أخت شهيد إلى قائدة تحملت مسؤولية حماية الأطفال والنساء و كانت هذه المسؤولية ضخمة وشاقة، لكنها أظهرت قوتها النفسية وقدرتها على تحمل المسؤولية في أحلك الظروف، حيث  تملك القدرة على التفكير الهادئ واتخاذ القرارات الصائبة في ظل الفوضى والخوف، على الرغم من أن دورها لم يكن عسكرياً، إلا أن تأثيرها كان كبيراً على المستوى النفسي والمعنوي للمقاتلين وللأسرى بعد الواقعة.

وقد تميزت بالصبر والثبات اذ تجلت صلابة السيدة في صبرها على المصائب التي لحقت بأهلها وأحبائها في كربلاء، اذ شاهدت بأم عينها استشهاد أخيها الإمام الحسين (عليه السلام )وأبنائها وأصحابه، إلا أنها بقيت ثابتة ومتماسكة، اثناء وبعد المعركة، وتم اقتيادهم إلى مجلس يزيد بن معاوية في الشام، ورغم الأجواء المعادية والمشحونة بالعداء والبغضاء، واجهت السيدة زينب يزيد بكلماتها القوية والشجاعة، معبرة عن موقفها الثابت في الدفاع عن الحق، وهي تتحلى بالبلاغة والحكمة اذ استخدمت السيدة زينب بلاغتها وحكمتها في الدفاع عن قضية أهل البيت أمام الأعداء، مما جعل كلمتها تتردد في أرجاء الأمة الإسلامية وتؤثر في ضميرها، هذا التأثير النفسي كان له دور كبير في نقل رسالة كربلاء وتحقيق أهدافها، بعد عودتها من الأسر، عملت السيدة زينب على نشر المظلومية التي وقعت على أهل البيت(عليهم السلام)، كانت خطبها وحديثها مع الناس تساهم في إيقاظ الوعي الجماهيري وزرع بذور الثورة ضد الظلم والطغيان، هذا الدور الحيوي يعكس قدرتها على تحويل الألم الشخصي إلى قوة دافعة للتغيير الاجتماعي والسياسي.

 

تتمتع السيدة زينب بقدرة فريدة على الخطابة والشجاعة في مواجهة الطغاة، في هذا الخطاب، لم تظهر فقط شجاعتها بل أيضاً حكمتها وعمق معرفتها بالدين، والتاريخ، المغروس فيها من جدها وابيها واهل بيتها ،كانت كلماتها قادرة على أن تهز عروش الطغاة وتؤثر في قلوب المستمعين، و مثالاً على كيف يمكن للكلمة أن تكون سلاحاً قوياً في وجه الظلم، البلاغة والقدرة على التعبير يمكن أن تحدث تغييراً كبيراً في المجتمع.

تعلمنا من السيدة زينب (عليها السلام )أن الصلابة النفسية لا تقتصر فقط على القدرة على تحمل المصائب، بل تشمل أيضاً القدرة على المواجهة والوقوف بشجاعة في وجه الظلم والدفاع عن الحق، ويعد موقف السيدة زينب في واقعة الطف من أعظم النماذج التي يمكن أن يحتذي بها الإنسان في مواجهة التحديات والصعاب وتحمل المسؤولية في أصعب الظروف لمواجهة الأهوال التي شهدتها في كربلاء، لم تضعف السيدة زينب أو تستسلم لليأس، بدلاً من ذلك، كانت رمزاً للصمود والتحمل، كانت قادرة على تحمل الألم النفسي الهائل بفقدان أحبائها، فضلاً عن الأعباء الجسدية والنفسية للأسر والترحيل، هذه القدرة على التحمل والصمود هي تجسيد حقيقي للصلابة النفسية، تجسد السيدة زينب عليها السلام الصلابة النفسية في أبهى صورها، من خلال دورها في معركة الطف وما تلاها، اذ قدمت نموذجاً للقيادة والشجاعة والصمود، قصتها ليست مجرد جزء من التاريخ الإسلامي، بل هي درس دائم في كيفية مواجهة التحديات والأزمات بثبات وقوة نفسية، يمكن للجميع، بغض النظر عن ديانتهم أو خلفيتهم الثقافية، أن يستفيدوا من دروس حياة السيدة زينب ويستلهموا منها القوة والشجاعة والإرادة في مواجهة مصاعب الحياة والتحديات.

وشكل موقف السيدة في وجدان الشعوب الاسلامية منعطفاً في الثبات على المبادئ الإسلامية، بالرغم من الضغوط النفسية التي تعرضت لها، لذا نجد لها شواخص وحضور في الكثير من البلدان الاسلامية (مصر،العراق، سوريا)، اذ تستلهم منها الشعوب مبادئ الحرية والايثار.