
مشروع طريق التنمية: (خطوة استراتيجية لتعظيم إيرادات العراق غير النفطية)
التصنيف: مقالات
تاريخ النشر: 2024-06-24 12:49:55
الباحث
حسن مجيد جاسم الهماشي([1])
سعت الحكومة العراقية إلى إيجاد إيرادات متنوعة غير نفطية تضمن للشعب العراقي حياة كريمة وفرص عمل أكثر في ضل تزايد الفقر وازدياد أعداد العاطلين عن العمل وعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا هناك ثمة قناعة عامة بأن نموذج إعادة توزيع الثروة النفطية يحتاج الى تنوع ودعم وأن الأزمة السياسية المقبلة ستكون أكبر بكثير ما لم يتم تصويب ذلك، إذ باشرت الحكومة العراقية بإعداد خطط استراتيجية مدروسة، ومن ضمن تلك الخطط هو مشروع طريق التنمية وهي خطة طموحة ومدروسة لتغيير الواقع نحو بنية اقتصادية متينة توفر عائدات مالية وفرص عمل من شأنها تقليل اعتماد البلاد على الموارد الهيدروكربونية وعلى التوظيف في القطاع العام وعلى نحو أكثر أهمية، يحاول المشروع أيضًا إرساء نموذج تنموي جديد من شأنه تحقيق الاستقرار السياسي للبلاد والتخفيف من وطأة العواقب الوخيمة الناجمة عن الاقتصاد الريعي.
يمتد مشروع طريق التنمية الاستراتيجي للنقل من ميناء الفاو الكبير في البصرة ويمر بعشر محافظات عراقية وصولاً إلى منطقة ربيعة في شمال محافظة نينوى على الحدود العراقية التركيا عبر خط سكك حديدية بطول 1175 كيلومترًا وطريقًا بريًا بطول 1190 كيلومترًا( حوالي 740 ميلاً)، وللطريق مساران مختلفان في جنوب العراق ولكنهما يلتقيان في شمال محافظة كربلاء المقدسة، وبعدها يسيران جنبًا إلى جنب حتى وصولهما إلى الحدود العراقية التركية، ومن جانب التكلفة المالية للمشروع ستكون تكلفة المشروع 17 مليار دولار، منها 6.5 مليار للطريق السريع، و 10.5 مليار لسكة القطار الكهربائي تعهّدت الحكومة بتمويل البنية التحتية الأساسية للمشروع أي ميناء الفاو والطرق السريعة والسكك الحديدية فيما ستموّل الاستثمارات الخاصة المشاريع المكمّلة والخدماتية المرتبطة به مثل ورش العمل والفنادق والمطاعم والخدمات الأخرى.
يتميز هذا المشروع باختصار الوقت والمسافة إذ من المتوقع تشغيل قطار بسرعة 300 كم بالساعة لنقل المسافرين و150 كيلومتر لنقل البضائع، ليصل إلى العاصمة الهولندية أمستردام في 18 ساعة فضلاً عن الطريق البري حيث تستغرق الرحلة من مياه الخليج الى تركيا في العجلات نحو 12 - 16 ساعة حيث إن المشروع سيعّزز التجارة بين آسيا وأوروبا، مما سيقلّل الفترة الزمنية اللازمة لنقل البضائع بين ميناء شنغهاي الصيني وميناء روتردام الهولندي من ثلاثة وثلاثين يومًا إلى خمسة عشر يومًا، والذي ستكون فيه السرع عالية جداً وعلى 3 مسارات قيادة وهناك إمكانية لتطويره إلى 4 مسارات للشاحنات والتي تسمح لها بالتنقل بين المحافظات أو إلى خارج العراق، كما يهدف المشروع إلى توفير خدمات سفر لأكثر من 15 مليون مسافر سنويًا وسعة تخزين ونقل من ميناء الفاو تقدر بـ 22 مليون طن.
ومن خلال الدراسات أصبح طريق التنمية حاجة ملحة ومهمة على مستوى المنطقة والعالم بسبب التغييرات الجيوسياسية الموجودة في المنطقة والحروب القائمة وتأثيرها على الممرات المائية التي تنقل من أوروبا إلى آسيا والعكس، والطريق العراقي هو ممر آمن جداً وقصير ويختصر الوقت والتكاليف وبالتالي أصبح متطلباً واجب التنفيذ.
أن الفكرة تطورت من استخدام المشروع للنقل فقط إلى الصناعة من خلال إنشاء مجموعة اقتصادية لإنشاء مدن صناعية واستخدام المشروع للتجارة والاستثمار والعمالة والسكن والزراعة وهو سيتضمّن، إضافةً إلى شبكة الطرق والسكك الحديدية التي ستربط ميناء الفاو في جنوب العراق بالحدود العراقية التركية، إنشاء مصانع وورش عمل في طريقه، ومن شأنه تشجيع الأنشطة التجارية وتوفير الكثير من فرص العمل ووفقًا للخطة، سيسمح طريق التنمية الذي سيمرّ في الغالب في المناطق الصحراوية خارج مراكز المدن الكبرى، بنقل ثقل النشاط الاقتصادي بعيدًا عن المراكز الحضرية ذات البنى التحتية المتهالكة، وسيساعد في تحفيز السكان على النزوح إلى المناطق الطرفية، كما يتوقع العراق ان يحقق المشروع ارباحاً مالية تقدر بأكثر من 4 مليارات دولار سنوياً، ايضاً سيكون ممراً للكابل الضوئي الآسيوي الذي يسمح للعراق بالاستفادة من خدماته (مجاناً) وبأعلى السرع وتقليل امتداده من 8 آلاف كيلو متر إلى 3 آلاف كيلو متر فقط، فضلاً عن استغلال الصحراء التي تصل فيها فترة النهار إلى 16 ساعة يومياً لتوليد الطاقة الشمسية، كما يوصف المشروع والذي من المقرر ان يتم على ثلاث مراحل في 2028 و2033 و2050 بـ بوابة اقتصاد العراق المنفتح على العالم عبر تركيا .
ومن خلال ذلك تحاول الحكومة العراقية ان تستثمر كل الامكانيات من اجل الاستفادة من هذا المشروع وفي هذا الصدد وجه السيد رئيس مجلس الوزراء وزارة النفط بإعداد دراسة استشارية لربط المشاريع الخاصة بوزارة النفط برؤية استراتيجية لاستخدام طريق التنمية في نقل النفط والغاز فضلاً عن تصديره وفق خريطة الاستثمار والإنتاج كما وجه الوزارات المعنية بتلقي الأفكار ودراستها وعدم اتخاذ أي قرار إلا من خلال اللجنة العليا لمشروع طريق التنمية.
ايضاً شهد مناقشة دراسة ممر الخدمات في المشروع الذي يتضمن مسار خطوط الكابل الضوئي ومساري خطوط النفط والغاز ومسارات نقل الكهرباء والطاقة المتجددة، ايضاً مجلس الوزراء وافق على استثناء مشروع طريق التنمية من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية، وأيضا من متطلبات وشروط الإدراج في حال إدراجه مشروعاً استثماريّاً وذلك قد يسرع من انشاء المشروع ويعطي اهتماماً خاصاً من قبل الحكومة ،فضلاً عن ذلك، سيعيد هذا المشروع تشكيل معالم الحدود العراقية الجنوبية والشمالية التي تُعدّ جزءًا لا يتجزّأ من طريق التنمية بعد أن كانت لفترة طويلة من الزمن بؤرًا للصراع وانعدام الاستقرار، وقد يشكّل طريق التنمية مشروعًا وطنيًا، أو شعارًا يلتف حوله معظم العراقيين بعد سنوات من الانقسام، وقد يمثّل أيضًا انطلاقةً للتفكير بشكل جدّي في خيارات أخرى بديلة عن الاعتماد شبه المُطلق على الموارد الهيدروكربونية، وقد يؤدّي ذلك دورًا مهمًا في دفع الدولة نحو إعادة بناء بنيتها التحتية، وتعزيز الروابط بين مختلف مناطق العراق، وإعطاء زخم للقطاع الخاص.
[1]) ) باحث في الشؤون الاقتصادية– قسم الدراسات الاقتصادية – مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية -مستشارية الامن القومي.