حرب المعلومات الحديثة- تسريب وثائق البنتاغون حول اوكرانيا

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2024-06-04 17:18:33

حرب المعلومات الحديثة- تسريب وثائق البنتاغون حول اوكرانيا
      أظهرت الوثائق المسربة من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن مخاوف عميقة بشأن مسار الحرب وقدرة أوكرانيا على شن هجوم ناجح ضد القوات الروسية. ووفقاً لتقييم وكالة استخبارات الدفاع الذي كان ضمن الوثائق المسربة، فإنه "من غير المرجح إجراء مفاوضات لإنهاء الصراع خلال سنة (2023)..      
      أثار تسريب الوثائق المتعلقة بأوكرانيا عدة فرضيات، بعضها مقبول أكثر من البعض الآخر. تتألف الوثائق المسربة من مئات الصفحات من المعلومات فائقة السرية، والسرية، وغير السرية، بما في ذلك رسائل البريد الإلكتروني، والمذكرات والتقارير، التي تسلط الضوء على تورط الحكومة الأمريكية في الصراع الأوكراني وما تلاه، وأحتوت الملفات ملخصات ذكية حول محادثات رفيعة المستوى بين قادة العالم، وكذا معلومات حول تكنولوجيا الأقمار الصناعية المتقدمة التي تستخدمها الولايات المتحدة للتجسس. وشملت أيضاً معلومات استخباراتية عن كل من الحلفاء والخصوم، بما في ذلك إيران، وكوريا الشمالية، وكذلك بريطانيا وكندا وكوريا الجنوبية والكيان الإسرائيلي.
     إحدى الفرضيات هي أن تسريب الوثائق كان جزءاً من جهد متعمد ومنسق من قبل وكالة استخبارات أجنبية، مثل (GRU) الروسية، لتقويض مصداقية الحكومة الأمريكية وزرع الارتباك وانعدام الثقة بين حلفائها ولاسيما حلف الناتو. تدعم هذه الفرضية حقيقة أن روسيا الاتحادية لديها تاريخ طويل في الحرب السيبرانية واستخدام المعلومات المخادعة والدعاية لتعزيز أهدافها الجيوسياسية، بما في ذلك أعمالها العسكرية في أوكرانيا وتدخلها في الانتخابات الأمريكية لعام (2016).
     فرضية أخرى هي أن تسريب الوثائق كان من عمل المبلغين عن المخالفات أو مجموعة من المطلعين الذين كانوا قلقين بشأن قانونية أو أخلاقية أو فعالية سياسات الحكومة الأمريكية وأفعالها التي تطيل أمد الحرب في أوكرانيا وتزيد من حجم وعدد الخسائر والضحايا. تدعم هذه الفرضية حقيقة أن العديد من المبلغين عن المخالفات في الماضي خاطروا بحياتهم المهنية، وحريتهم، وحتى حياتهم لفضح المخالفات أو سوء السلوك من قبل المنظمات القوية، بما في ذلك الحكومات.
       الفرضية الثالثة هي أن تسريب الوثائق كان عرضياً أو مصادفةً، وليس مقصوداً أو استراتيجياً. تدعم هذه الفرضية حقيقة أن حكومة الولايات المتحدة لديها آلاف الموظفين والمتعاقدين والشركاء الذين يتعاملون مع معلومات حساسة وسرية كل يوم، وأن أياً منهم قد يكون قد ارتكب خطأ ما، أو خطأ في الحكم أو ثغرة أمنية التي أدت إلى التسريب. تدعم هذه الفرضية أيضاً حقيقة أن حكومة الولايات المتحدة لديها بيروقراطية معقدة ومتشعبة، مع العديد من الوكالات والإدارات والفروع التي قد لا تشارك أو تنسق معلوماتها دائماً بشكل صحيح.
      بالطبع، هذه الفرضيات ليست متعارضة، وقد تكون هناك عوامل أو جهات فاعلة أو دوافع أخرى ساهمت في تسريب وثائق البنتاغون حول أوكرانيا. ومع ذلك، من خلال النظر في هذه الفرضيات وتحليل الأدلة المتاحة، يمكننا اكتساب فهم أفضل للطبيعة المعقدة والمتطورة لحرب المعلومات الحديثة، والتهديدات الداخلية، وشفافية عمل الحكومة في النهاية، قد يكون لتسريب هذه الوثائق عواقب بعيدة المدى على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، والأمن القومي، وثقة الجمهور في الحكومة، بغض النظر عما إذا كانت هذه الفرضيات صحيحة أم لا. وقد أكد مسؤولون في الدول التي شملها التسريب وحلفائهم، إنهم يقومون بتقييم الضرر الناجم عنها.
     ولهذا وجب التأكيد على مفاصل الدولة العراقية، ولاسيما الاجهزة المخابراتية، والاستخبارية والأمنية، وجميع المؤسسات التي تتعامل مع معلومات حساسة ودقيقة تؤثر بالأمن القومي العراقي، على أمن المعلومات، وطبيعة ومستويات الاشخاص الذين يتداولون هذه المعلومات، والالتزام بسياقات عمل تداول المعلومات والكتب الرسمية لكل من هذه الدوائر، والتي نشهد منها بين الحين والاخر على تسريب بعض كتبها المصنفة بأنها سرية، أو سرية للغاية، الى الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، والتقيد بأوامر رئيس مجلس الوزراء حول اساليب تبادل الكتب الرسمية، والمصنفة بسرية التداول بين مؤسسات الدولة العراقية، وسبق وإن قام مكتب رئيس الوزراء باتخاذ إجراءات إنضباطية رادعة بحق موظفين تسببوا بتسريب الكتب الرسمية الصادرة عن مكتب رئيس الوزراء إلى وسائل الإعلام، وبلغ عدد الموظفين الذين اتخذت بحقهم الإجراءات القانونية (61) موظفا، بينهم (10) من أصحاب الدرجات الخاصة، العمل على التحقق من الاشخاص العاملين بالاجهزة الحساسة في دوائر الدولة، واجهزتها الأمنية، زيادة وعي الموظفين والمنتسبين بأهمية الحفاظ على المعلومات السرية، وخطورة أي عملية تسريب لاي معلومة مهما كانت بسيطة على الأمن الداخلي والأمن القومي العراقي.

د. أمير الساعدي
قسم الدراسات الأمنية ومكافحة الإرهاب