
التيك توك وأثره على المجتمع العراقي
التصنيف: مقالات
تاريخ النشر: 2024-05-12 11:53:10
احمد طارق خالد / قسم الدراسات التكنولوجية
تعد ثورة شبكات مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك والانستغرام واليوتيوب وغيرها من المواقع والتطبيقات أحد المعالم الرئيسية للقرن الحالي واهم العوامل المؤثرة على المجتمعات وتوجهاتها بشقيها الإيجابي والسلبي، حيث مكنت الكل من التواصل مع الكل والتعبير عن الرأي بحرية متخطية الازمان والمسافات والحدود ومنتهكة سيادات الدول وقوانينها وعادات شعوبها وتقاليدها من خلال التأثير المباشر على شريحة الشباب والمراهقين ، وخلق عالم خاص بهم موازي لواقعهم يعيشون فيه احلامهم وحياتهم الافتراضية معبرين فيها عن أفكارهم وتوجهاتهم مع الاخرين، وأصبحت مصدر رزق للبعض من خلال الترويج لبضاعهم ومنتجاتهم او مصدر شهرة لهم من خلال نشر امكاناتهم للآخرين والتواصل والتفاعل مع المجتمع العالمي.
ويعد تطبيق التيك توك الصيني من أشهر هذه التطبيقات في العالم حاليا وأسرعها انتشاراً وتفاعلاً، يسمح للمستخدمين بمشاركة مقاطع الفيديو القصيرة بطريقة سهلة وممتعة، يتركز التطبيق على محتوى الفيديو ويتمكن المستخدمين من تصوير وتحرير مقاطع الفيديو القصيرة ومشاركتها مع الآخرين. يتميز التطبيق بواجهة مستخدم بسيطة وسهلة الاستخدام، ويحتوي على مجموعة متنوعة من الأدوات والمؤثرات البصرية التي يمكن استخدامها لتحسين جودة وجاذبية المقاطع، مما ميزه عن باقي التطبيقات التي تحتاج الى بعض الخبرة في صناعة المحتوى واستخدام بعض التطبيقات الثانوية لدمج المقطع مع الصوت او اغنية إضافة الى كلفة نشر المحتوى التجاري المتدنية مقارنة مع باقي التطبيقات.
وقد ساهم انتشار التطبيق في العراق بشكل واسع بسبب انتشار الأجهزة المحمولة الذكية لجميع الفئات العمرية دون ضوابط وتوفر خدمات الانترنيت بشكل واسع وغياب القوانين والتشريعات الخاصة بالإعلام الرقمي وتنظيم المحتوى وسعي الكثير من الشباب والمراهقين للشهرة وكسب المال السريع دون معرفة بإيجابيات وسلبيات هذا الاستخدام العشوائي لهذا التطبيق.
نبذة عن التيك توك
تأسست شركة التكنولوجيا الصينية "بايت دانس" عام 2012، وكانت تهدف إلى تطوير تطبيقات للهواتف المحمولة. وفي عام 2016 قامت الشركة بإطلاق تطبيق يدعى "دوين" في السوق الصينية. كان هذا التطبيق يسمح للمستخدمين بتسجيل مقاطع فيديو قصيرة ومشاركتها مع الآخرين. وقد حقق التطبيق نجاحاً كبيراً في الصين وأصبح من أكثر التطبيقات شعبية في البلاد.
في عام 2017، قامت شركة بايت دانس بشراء تطبيق (ميوزي كالي) الأمريكي، وهو تطبيق يسمح للمستخدمين بتسجيل مقاطع فيديو قصيرة وإضافة المؤثرات الصوتية إليها. وبعد الاستحواذ على التطبيق، قامت الشركة بإعادة تسميته إلى "تيك توك" وأطلقته في الأسواق العالمية.
منذ إطلاقه الأول، حقق تيك توك شهرة كبيرة وانتشاراً واسعاً في جميع أنحاء العالم. واستطاع أن يجذب ملايين المستخدمين من مختلف الأعمار والثقافات. ويعد تيك توك اليوم واحد من أكثر التطبيقات تحميلاً على الهواتف المحمولة في العالم، وحسب تقرير موقع (world of statistics) تصدر فيس بوك من حيث المستخدمين ب 3 مليار مستخدم يليه اليوتيوب ب 2.5 مليار مستخدم ثم الواتساب ب 2 مليار مستخدم والانستغرام والتيك توك ب 1.5 مليار مستخدم.
ويشير موقع شركة سينستانت الأمريكي ان تطبيق التيك توك تجاوز ال 3.5 مليار تحميل للبرنامج في العالم و 1.49 مليار مستخدم نشط وهو رقم كبير بالنسبة لباقي مواقع التواصل الاجتماعي وعلى المستوى العراقي احتل المركز الرابع عشر عالميا والمركز الرابع عربيا (5.9 مليون مستخدم نشط) بعد السعودية (34.4 مليون) ومصر (20.2 مليون) والامارات (6.7 مليون) وحسب تقرير مركز الاعلام الرقمي العراقي قفز العراق من 23.8 الى 31.95 مليون متابع ما بين (2022-2024). وان معدل استخدام التطبيق يتراوح بين (2-4) ساعات يوميا.
ويمكن القول ان شهرة تطبيق التيك توك في المجتمع تعود إلى سهولة استخدامه، وتنوع المحتوى المتاح عليه، والتفاعل الاجتماعي الذي يوفره، والترفيه والتسلية التي يقدمه، إضافة الى مصدر شهرة ودخل جيد للبعض، يعد التيك توك جزءًا لا يتجزأ من حياة الكثير من الأشخاص في المجتمعات اليوم، ويستمتع الناس بالتفاعل معه واستكشاف محتواه المتنوع، إضافة الى خاصية التمرير اللانهائي للمتابع وخوارزميات التطبيق التي تلبي الاحتياجات وحسب الاهتمامات، ولعدم تمييز هذه الخوارزميات للأعمار فقد اثرت بشكل سلبي في بعض الأحيان كما حصل في بريطانيا عندما رفعت قضية وغرامة على تيك توك بسبب نشر محتوى لأكثر من 1.2 مليون طفل غير ملائم لأعمارهم وكذلك في بعض الدول الاوربية.
ان لكل تكنولوجيا إيجابيات وسلبيات وعندما تتجاوز السلبيات الحد المسموح يجب الوقوف والعمل على الحد منها لما لها من تأثير مباشر بحياة المجتمع وامنه القومي الشامل. فقد شرعت الولايات المتحدة الامريكية قانون يحظر استخدام تطبيق التيك توك وسيدخل حيز التنفيذ في كانون الأول المقبل بعد هواجس من كون التطبيق يعمل على جمع بيانات المستخدمين وتحليلها لصالح الحكومة الصينية كما حظرت بعض الدول التطبيق مثل الهند وأفغانستان وايران والأردن والنيبال والصومال، واكتفت بعض الدول بمنع تطبيق التيك توك عن الموظفين الحكوميين واجهزتهم مثل استراليا والنمسا وبلجيكا وكندا وايرلندا ولاتفيا ومالطا وهولندا ونيوزلندا والنرويج وتايوان والمملكة المتحدة ، وقيدت روسيا التطبيق وبما يمكن مشاهدته من مقاطع فيديو وكانت اغلب الإجراءات المتخذة هي لحماية مجتمعاتهم وامنهم . والجدير بالذكر ان الصين نفسها تستخدم تطبيق ديون (نسخة التيك توك الصينية) الخاضعة لرقابة الحكومة الصينية بشكل كامل مع حجب تطبيق التيك توك النسخة العالمية عن مواطنيها.
أثر تطبيق التيك توك على المجتمع العراقي
أحدث تطبيق التيك توك تأثيرا كبيرا في المجتمع العراقي بشكل ملحوظ متخطيا باقي التطبيقات وسبب الكثير من التحديات والمخاطر ويمكن تلخيص بعض هذه التأثيرات بما يلي:
- التأثير في المجتمع: حيث أثر التطبيق بشكل كبير على الثقافة الشعبية في المجتمع. فمن خلاله يتم تداول العديد من الأفكار والمعتقدات والتصرفات التي قد تكون مختلفة عن تلك التي تعتمدها المجتمعات التقليدية. وقد يؤدي ذلك إلى تغييرات في القيم والمعتقدات والعادات والتقاليد التي تميز المجتمعات ويؤدي أيضاً إلى تشويه صورة الثقافة الأصلية وتقليد ثقافات غريبة بشكل غير دقيق ودخول مفردات دخيلة على اللغة العربية والثقافة العراقية لتصبح متداولة بين جميع الأوساط مخلفة اثارها السلبية على المجتمع، وظهور سلوكيات اجتماعية غير مقبولة خصوصا للباحثين عن الشهرة وزيادة المتابعين من خلال نشر محتوى يحمل طابع العنف، او الإساءة والتنمر، او التحريض على الكراهية او نشر المحتوى الايحائي واللاأخلاقي والخادش للحياء او نشر التمييز المجتمعي والطبقي والثراء الفاحش لشخصيات جديدة العهد بمواقع التواصل ( غالبا ما تكون غير مثقفة او من وسط دخيل ) لتكون قدوة للفتيات والشباب المراهقين الساعين للتميز وبسبب إمكانية نشر هذا المحتوى للجميع وليس للمتابعين فقط من خلال خوارزميات الذكاء الاصطناعي الخاص بالتطبيق مما يسبب في انتشاره بشكل كبير وواسع، وبالتالي زيادة في الجرائم والعنف في المجتمع مخلفا بيئة غير امنة للجميع.
ان خاصية التمرير اللانهائي والغير محدود من مقاطع الفيديو المتنوعة أدت الى قضاء فترة طويلة خلف شاشات الهواتف والتي تزيد عن 4 ساعات يوميا مما اثرت بشكل على السلامة الصحية والبدنية والعقلية خصوصا للفئات العمرية بين 13- 30 سنة
- التأثير في الامن السيبراني والخصوصية الرقمية: يتطلب التطبيق تسجيل الدخول ومشاركة المعلومات الشخصية، وهذا يعرض المستخدمين لمخاطر الأمن السيبراني. قد يتعرض المستخدمون للاختراق وسرقة بياناتهم الشخصية وتسريبها واستخدام هذه البيانات بطرق غير مشروعة مثل بيعها لطرف ثالث او استخدامها في الأنشطة الاحتيالية. وقد يتعرضون أيضاً للتلاعب والابتزاز من قبل القراصنة الإلكترونيين. إضافة الى ترويج البضائع غير المرخصة او غير الآمنة وعمليات النصب والاحتيال التجارية إذ تعد الاحتيالات الإلكترونية من أبرز التهديدات التي يمكن أن يتعرض لها مستخدمو تطبيق التيك توك. فبسبب شهرة التطبيق وانتشاره الواسع، يستغل المحتالون هذه الفرصة للقيام بأنشطة احتيالية مثل الاحتيال على الهوية أو الاحتيال المالي. وقد تتضمن هذه الاحتيالات طلب المستخدمين للمشاركة في مسابقات وهمية أو تقديم معلومات شخصية حساسة مقابل وعود كاذبة.
- التأثير على الامن الداخلي: كون التطبيق يتيح للمستخدمين إنشاء ومشاركة مقاطع الفيديو، وهذا يعني أنه يمكن للأفراد الآخرين التلاعب بالمحتوى ونشر معلومات زائفة أو مضللة، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى انتشار الأخبار الكاذبة وتضليل الرأي العام، مما يؤثر على سمعة الأفراد أو المؤسسات المستهدفة او التحريض الممنهج والهادف الى زعزعة استقرار الدولة من خلال نشر الوثائق المزورة او ممنوعة التداول التي تؤثر بشكل مباشر على الامن الداخلي والسلم المجتمعي.
كما يستغل التطبيق من قبل المجاميع الإرهابية من خلال نشر الأفكار التكفيرية واثارة النعرات الطائفية وتجنيد المراهقين او استغلال التطبيق من خلال التجارة المشبوهة مثل المخدرات والاتجار بالبشر.
- التأثير على الاقتصاد: استغلال التطبيق في اعمال مشبوهة مثل غسل الأموال من خلال الهدايا التي يتيحها التطبيق لصانعي المحتوى والتحديات الثنائية والبث الحي حيث يتم شراء وحدات خاصة بالتطبيق من خلال الباقات الخاصة به والتي يمكن ان يتم دفع ضعف القيمة للتطبيق ومن ثم اهدائها الى الشخص والتي يمكن تحويلها الى عملة حقيقية بعد خصم 50% لصالح التطبيق، علما ان الهدايا تتراوح ما بين (0.003 – 550) دولار امريكي والتي تؤثر بشكل سلبي على اقتصاد الدولة واستغلال هذه الأموال بأعمال مشبوهة وتمويلها وحسب التقارير الدولية يصل انفاق العراق على تطبيق تيك توك سنويا ما بين (0.9 – 1.2) مليار دولار سنويا.
من خلال ما تقدم نجد من الضروري الوقوف بجدية نحو تحديات تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام وتطبيق التيك توك بشكل خاص واتخاذ بعض التدابير الضرورية والتي يمكن تلخيصها بما يلي:
- تشكيل فريق متخصص من الوزارات والمؤسسات المعنية إضافة الى منظمات المجتمع المدني والأكاديميون والقطاع الخاص لدراسة إيجابيات وسلبيات مواقع التواصل الاجتماعي والتيك توك خصوصا للخروج بسياسات وقواعد صارمة لاستخدام التيك توك. ينبغي أن تتضمن هذه السياسات توجيهات واضحة بشأن المحتوى المسموح به والمحتوى الممنوع والسلوكيات غير المقبولة. يجب أن تكون هذه السياسات متاحة للجميع والتركيز على أهمية الامتثال لها. تهدف الى حماية المجتمع من الاثار الضارة التي تؤثر سلبًا على الشباب والثقافة والاقتصاد والسلامة العامة والخصوصية والأمن الداخلي والسلم المجتمعي.
- تشكيل وحدة خاصة تابعة لوزارة الداخلية تحت مسمى استخبارات مواقع التواصل الاجتماعي يكون افرادها من الجهات ذات العلاقة مثل (وزارة الاتصالات وهيئة الاعلام والاتصالات والنقابات المعنية إضافة الى علماء نفس ومجتمع) إضافة الى الأجهزة الأمنية والقضائية لرصد وتحليل وتقييم المحتوى واتخاذ الإجراءات بحق المخالف وتكريم صانع المحتوى الهادف إضافة الى محاربة الشائعات والاخبار الزائفة.
- تفعيل دور الشرطة المجتمعية في مراقبة المحتوى وخصوصا في استغلال الأطفال او السماح لهم ببث المحتوى لغرض الشهرة والكسب المالي والذي يحظره جميع دول العالم وتحديد الفئة العمرية لنشر المحتوى.
- التواصل مع شركة تيك توك الام من خلال وزارة الاتصالات او هيئة الاعلام والاتصالات حسب الصلاحية لفتح مكتب في العراق وقناة تواصل معها والامتثال للقوانين العراقية السارية وتسهيل عمل الأجهزة الرقابية والأمنية في محاربة المحتوى الذي يتنافى مع سياسة الدولة. إضافة الى جباية الضرائب من هذه الشركات خصوصا كون العراق الرابع عشر عالميا والرابع عربيا في استخدام هذا التطبيق.
- التشجيع على تعزيز القيم الاجتماعية الإيجابية: عرض المحتوى الذي يعكس القيم الأخلاقية والتعاون والتسامح والعدل والمساواة وحقوق الإنسان وطرح قضايا اجتماعية مهمة وتشجيع الإبداع وإنتاج المحتوى الإيجابي على التطبيق. من خلال إنشاء محتوى مفيد وتعليمي وترفيهي.
- تعزيز الوعي والتثقيف حول المخاطر المحتملة لهذا التطبيق: يجب على الأفراد والمؤسسات التعرف على التأثيرات السلبية المحتملة للتيك توك وتوعية الناس بكيفية استخدامه بشكل آمن ومسؤول، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إطلاق حملات توعية وتثقيف في المدارس والجامعات والمجتمعات المحلية، وتوفير موارد تعليمية عبر الإنترنت وورش عمل للشباب وأولياء الأمور.
- محاربة المحتوى الضار: يجب على المؤسسات والمنظمات العمل على تنظيم الإعلانات والمحتوى الضار على التيك توك، ويمكن تحقيق ذلك من خلال وضع قواعد صارمة للإعلانات والمحتوى المشين والعنيف والمسيء، وتطبيق عقوبات صارمة على المستخدمين الذين ينتهكون هذه القواعد وتوفير بيئة آمنة وصحية للمستخدمين.
- توفير الدعم المالي والتقني للشركات الناشئة والمبتكرة التي تعمل على تطوير تكنولوجيا جديدة للتحكم في استخدام التطبيقات وتحسين تجربة المستخدم. يمكن أن يساهم الابتكار والتطوير في تقديم حلول فعالة للتحكم في الاعتماد الزائد على التطبيقات مثل التيك توك وتقليل تأثيراتها السلبية على المجتمع.
وفي الختام على العراق العمل بجدية نحو تنظيم الاعلام الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي من خلال سن القوانين ووضع الضوابط المحددة للمحتوى، إضافة الى فتح قنوات مع الشركات الخاصة بهذه المواقع وغلق بعض المواقع إذا استوجب الامر للعمل على حماية مواطنيه وسلمهم المجتمعي اسوة بدول العالم.