تعزيز الدراية الإعلامية والمعلوماتية للمواطنين من أجل التواصل الرقمي

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2024-05-06 09:56:31

م.د. محمد جبار زغير

مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية

[email protected]

    إن الحاجة إلى نشر معلومات واقعية، وهادفة، وواضحة، ومتاحة، ومتعددة اللغات وعلمية عبر المنصات الرقمية، أصبحت من مرتكزات عملية التواصل الرقمي العالمي.

    ويقصد بالدراية الإعلامية تمكين مستخدمي وسائل الاتصال والإعلام على الخصوص من اكتساب المعرفة حول وظائف وسائل الإعلام؛ وآليات إنشاء المحتوى وتوزيعه؛ وتأثيرات وسائل الإعلام؛ وحقوق الأشخاص في المعلومات والتعبير؛ ومسؤوليات أولئك الذين يستخدمون وسائل الإعلام ويتوسطون فيها ويتحكمون فيها؛ واستخدام التقنيات الجديدة والناشئة.

     فقد أعتمد إعلان غرونفالد بشأن التربية الإعلامية عام 1982، بضرورة قيام النظم السياسية ونظم التعليم بتعزيز فهم المواطنين النقدي لــ(ظاهرة الاتصالات)، ومثل الإعلان باكورة الخطوات الأولى لوضع المفهوم المركب الحالي (للدراية الإعلامية والمعلوماتية).

   إذ أكدت اليونسكو في الدورة الخامسة بعد المائتين عام 2018 على تعزيز مكانة الدراية الإعلامية والمعلوماتية وبلورتها التدريجية من خلال إعلان براغ بشأن السعي إلى بناء مجتمعات تتمتع بالدراية المعلوماتية (2003)، وإعلان الإسكندرية بشأن الدراية المعلوماتية والتعلم مدى الحياة-منارات مجتمع المعلومات (2005)، وبرنامج عمل باريس والمتضمن أثنتا عشرة توصية بشأن التربية الإعلامية (2007)، وإعلان فاس بشأن الدراية الإعلامية والمعلوماتية (2011)، وإعلان موسكو بشأن الدراية الإعلامية والمعلوماتية (2012)، وإطار التحالف العالمي من أجل إقامة الشراكات بشأن الدراية الإعلامية والمعلوماتية وخطة عمله (2013)، وإعلان باريس بشأن الدراية الإعلامية والمعلوماتية في العصر الرقمي (2014)، وتوصيات ريغا بشأن الدراية الإعلامية والمعلوماتية في المشهد الإعلامي والمعلوماتي المتغير(2016)، وإعلان الشباب بشأن الدراية الإعلامية والمعلوماتية وهو الأحدث اصداراً (2016)، وإعلان خانتي-مانسيسك بشأن تسخير الدراية الإعلامية والمعلوماتية لنشر ثقافة الحكومة المنفتحة (2016).

   وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى الفجوة الرقمية الكبيرة وغياب المساواة في البيانات الموجودة في مختلف البلدان، إذ لابد من معالجتها عن طريق تحسين كفاءات الأفراد للبحث عن المعلومات وتلقيها ونشرها في المجال الرقمي.

   وفي ظل المنظومة الحالية للرسائل والمعاني المعقدة والمتناقضة والموجودة في الفضاء الرقمي، فإن من الصعب تصور إحراز تقدم فيما يتصل بالصالح العام إذا كان الجمهور العام عاجزاً عن اغتنام الفرص ومواجهة التهديدات.

   لذلك يحتاج كل فرد إلى أن يُجهز بكفاءات الدراية الإعلامية والمعلوماتية لفهم الرهانات، وللمساهمة في فرص الحصول على المعلومات والاتصال الرقمي والافادة منها.

  ومن دواعي الاهتمام بالدراية الإعلامية الرقمية على الصعيد الاممي إنّ عقولنا بحاجة إلى الحصول على المعلومات كي تعمل على أكمل وجه.

تشير الوثائق الأممية إلى وثائق أساسية ومهمة بشأن الدراية الإعلامية، وهي:

  • قرار الجمعية العامة بإعلان الأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية
  • إعلان يونسكو للأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية.
  • إعلان سول بشأن الدراية الإعلامية والمعلوماتية لكافة الناس.
  • خريطة طريق الأمين العام من أجل التعاون الرقمي.

     وتتسم جودة المعلومات التي تصل إلينا بأهمية كبيرة كونها تسهم إسهاماً كبيراً في فهمنا لما يجري من حولنا، فضلاً عن دورها في تحديد مواقفنا، وصقل معتقداتنا. ويمكن أن نحصل على هذه المعلومات من أشخاص، أو من وسائل الإعلام، أو المكتبات، أو الأرشيفات، أو المتاحف، أو دور النشر، والوسائل الاتصالية الأخرى أو من مقدمي المعلومات بما في ذلك الأطراف الفاعلة عبر الإنترنت. فضلاً عن هناك وجود أسباب تحتم علينا الاهتمام بالدراية الإعلامية الرقمية، ومنها:

  1. الارتفاع الهائل في المعلومات المضللة.
  2. الاستقطاب السياسي.
  3. زيادة تأثير المنصات الرقمية.

     وهناك دور لمنظمة اليونسكو في تعزيز الدراية الإعلامية الرقمية من خلال توفير الموارد اللازمة لبناء المهارات، التي تضم وضع المناهج الدراسية، والمبادئ التوجيهية المعنية الخاصة بالسياسات وصياغتها، والأطر التقييمية، لتطوير مهارات الدراية الإعلامية والمعلوماتية لدى الناس. وتوفّر أيضاً دروساً مجانية ومتاحة للجميع للتعلم الذاتي في كل ما يتعلّق بالدراية الإعلامية والمعلوماتية. وتسهم المنظمة من خلال وسائل الإعلام وتكنولوجيات المعلومات، في تيسير الربط الشبكي والبحوث من خلال التحالف العالمي للشراكات المتعلقة بالدراية الإعلامية والمعلوماتية والشبكة الجامعية للدراية الإعلامية والمعلوماتية.

تدعم منظمة اليونسكو تطوير كفاءات الدراية الإعلامية والمعلوماتية بين الناس عن طريق:

  1.  موارد بناء القدرات.
  2.  تطوير المناهج.
  3.  المبادئ التوجيهية للسياسة العامة.
  4.  إطر التقييم.

    كذلك تمثل خريطة الأمم المتحدة من أجل التعاون الرقمي مساراً مهماً فيما يشهده العالم من تحولاً انتقالياً من التكنولوجيا التناظرية إلى التكنولوجيا الرقمية بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، مما يجعل التكنولوجيات الجديدة، في آن واحد، محط آمال عريضة ومصدر مخاطر جسيمة تمثل أمامنا بشكل متزايد. على حين يجلب العصر الرقمي للمجتمع الكثير من الفوائد المثيرة للدهشة، إلا أننا نواجه أيضا تحديات كثيرة من قبيل:

  1. تزايد اتساع الفجوات الرقمية.
  2. التهديدات الإلكترونية.
  3. انتهاكات حقوق الإنسان على شبكة الإنترنت.

     تطرح الأمم المتحدة خريطة طريق يؤدي فيها جميع أصحاب المصلحة دوراً في الدفع قدما بعالم رقمي أكثر سلامة وإنصافا يضيء الطريق نحو مستقبل أكثر إشراقا وازدهارا لفائدة الجميع. يقود مكتب المبعوث المعني بالتكنولوجيا تنفيذ خريطة طريق الأمين العام من أجل التعاون الرقمي.

     إذ يقول أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة:" لقد أضحت التكنولوجيا الرقمية تشكل معالم التاريخ، ولكن ثمة شعور أيضا بأنها تسير بنا بخطى حثيثة إلى حيث لا ندري. ويطرح الأمين العام مجموعة تساؤلات:

  1. إلى أين ستأخذنا؟
  2. وهل سيؤدي ذلك إلى تعزيز كرامة وحقوق الإنسان أم إلى تراجعها؟
  3. وهل ستصبح مجتمعاتنا أكثر مساواة أم أقل مساواة؟
  4. وهل سيزيد مستوى الأمن والأمان الذي نعيشه أم سيقل؟

     إن الجواب على هذه الأسئلة يتوقف على قدرتنا على العمل معاً عبر الاختصاصات والجهات الفاعلة والفجوات السياسية. وتقع علينا مسؤولية جماعية بتوجيه تلك التكنولوجيات نحو تعظيم فوائدها وتحجيم عواقبها الوخيمة واستخداماتها الكيدية".

    بناءً على توصيات الفريق المعني بالتعاون الرقمي التابع للأمين العام للأمم المتحدة، واسترشاداً بسلسلة مناقشات المائدة المستديرة في الأمم المتحدة والتي عقدت مع أصحاب المصلحة الرئيسيين من الحكومات، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والمنظمات الدولية، والمؤسسات الأكاديمية، والأوساط التقنية، وغيرهم من أصحاب المصلحة ذوي الصلة، تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات التوصيات، ومنها:

  1. تحقيق الاتصال الإلكتروني العالمي بحلول عام 2030:

لا تتاح حاليا إمكانية الوصول إلى شبكة الإنترنت إلا لنصف سكان العالم. وينبغي أن توفر لكل فرد، بحلول عام 2030، إمكانية الوصول بشكل آمن وميسور التكلفة إلى الإنترنت، بما في ذلك استخدام الخدمات الممَكنة رقمياً استخداما هادفاً تماشياً مع أهداف التنمية المستدامة.

  1. الارتقاء بالمنافع العامة الرقمية من أجل تهيئة عالم أكثر إنصافاً:

يجب علينا بذل جهود متضافرة على الصعيد العالمي من أجل تشجيع توفير المنافع العامة الرقمية والاستثمار فيها: البرامجيات مفتوحة المصدر، والبيانات المفتوحة، ونماذج الذكاء الاصطناعي المفتوحة، والمعايير المفتوحة، والمحتويات المفتوحة. ويجب أن تلتزم هذه المنافع العامة الرقمية بالقوانين المتعلقة بالخصوصية وغير ذلك من القوانين السارية وبالممارسات الفضلى، وألا يكون فيها ضرراً، وأن تسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

  1. كفالة الشمول الرقمي للجميع، بما في ذلك أكثر الفئات ضعفاً:

تعكس الفجوات الرقمية وتضخم أوجه عدم المساواة القائمة على كل من المستوى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي. والفجوة الجنسانية في استخدام الإنترنت على الصعيد العالمي مثال صارخ عن ذلك، إذ أن عدد مستخدمي الإنترنت من الرجال يزيد في بلدين من كل ثلاثة بلدان عن عددهم من النساء.

  1. تعزيز بناء القدرات الرقمية:

تُحرم العديد من البلدان والمواطنين من قدرات ومهارات لها أهمية حاسمة في العصر الرقمي وفي بلوغ أهداف التنمية المستدامة. ويجب أن توجه أنشطة بناء القدرات أكثر بحسب الاحتياجات، وأن توضع بحسب الظروف الفردية والوطنية، وأن تنسق على نحو أفضل على الصعيد العالمي.

  1. كفالة حماية حقوق الإنسان في العصر الرقمي:

تُتيح التكنولوجيات الرقمية وسائل جديدة لممارسة حقوق الإنسان، ولكنها تستخدم في حالات كثيرة جدا لانتهاك حقوق الإنسان. وينبغي وضع حقوق الإنسان في صميم الأطر التنظيمية والتشريعات المتعلقة بتطوير التكنولوجيات الرقمية واستخدامها. وتثير مسائل حماية البيانات، والهوية الرقمية، واستخدام تكنولوجيات المراقبة، والتحرش باستخدام الإنترنت، وإدارة المحتويات شواغل خاصة في هذا الصدد.

  1. دعم التعاون العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي:

يجلب الذكاء الاصطناعي فوائد هائلة يضفيها على العصر الرقمي، غير أنه يمكن أيضا أن يمس بسلامة وإرادة المستخدمين في العالم بأسره. وثمة حاجة إلى تعزيز جهود أصحاب المصلحة المتعددين المبذولة في سبيل التعاون العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي من أجل الإسهام في بناء القدرة العالمية على تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي على نحو قائم على مبادئ الثقة وحقوق الإنسان والسلامة والاستدامة وتعزيز السلام

  1. الارتقاء بالثقة والأمن في البيئة الرقمية:

من الضروري حماية التكنولوجيات الرقمية التي تدعم الوظائف والبنى التحتية المجتمعية الأساسية، بما في ذلك دعم الحصول على الغذاء والماء والسكن والطاقة والرعاية الصحية والنقل. يمكن أن يسهم وضع بيان موسع وشامل تقره جميع الدول الأعضاء ويبين عناصر التفاهم المشترك فيما يتعلق بالثقة والأمن الرقميين في صياغة رؤية مشتركة للتعاون الرقمي يستند إلى القيم العالمية.

  1. بناء هيكل أكثر فعالية للتعاون الرقمي:

تتخلل التعاون الرقمي العالمي فجوات واسعة، إذ تدرج مسائل التكنولوجيا الرقمية على جدول الأعمال السياسي في أدنى المراتب في أحيان كثيرة جدا. وحتى في الحالات التي تبذل فيها مساعي التعاون، كثيرا ما تكون مجزأة ومفتقرة لنتائج عملية أو لعمليات متابعة سليمة. ويجب، كنقطة بداية، تعزيز منتدى إدارة الإنترنت من أجل جعله أكثر قدرة على التجاوب مع المسائل الرقمية الراهنة وأوثق صلة بها.

     كما أن البرنامج الحكومي العراقي لعام 2023، يعمل على تطوير وتنمية قطاع الاتصالات والمعلومات والإعلام، بما يحسن الخدمات للمواطنين، ويضيف رافد لخزينة مؤسسات الدولة، ومجال كبير لتشغيل العمالة العراقية.

     وتعمل المؤسسات الحكومية المتمثلة بوزارة الاتصالات، وهيئة الإعلام والاتصالات، والمركز الوطني للبيانات في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وهيئة المستشارين في رئاسة الوزراء (مستشار رئيس الوزراء للذكاء الاصطناعي) و(مستشار رئيس الوزراء للأمن السيبراني)، واللجان المعنية بقطاع الاتصالات في العراق على تنفيذ مسارات البرنامج الحكومي، فضلاً عن تطبيق بنود الاتفاقات الدولية الخاصة بالاتصالات والإعلام ومجتمع المعلومات المتفق عليها بين الدول، ومنها:

  • تعزيز الدراية الإعلامية والمعلوماتية للمواطنين.
  • ضرورة قيام النظم السياسية ونظم التعليم بتعزيز فهم المواطنين النقدي لــ(ظاهرة الاتصالات).
  • بناء القدرات الرقمية لدى المواطنين.
  • تحقيق الاتصال الإلكتروني العالمي بحلول عام 2030 لفئات المجتمع العراقي كافة.
  • الارتقاء بالمنافع العامة الرقمية من أجل تهيئة مجتمع أكثر إنصافاً في المجال الرقمي.
  • كفالة الشمول الرقمي وسد الفجوة الرقمي.
  • كفالة حماية حقوق الإنسان في العصر الرقمي.
  • دعم التعاون العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي.
  • الارتقاء بالثقة والأمن في البيئة الرقمية.
  • بناء هيكل أكثر فعالية للتعاون الرقمي.

    نقترح على الجهات المعنية بقطاع الاتصالات والإعلام تشكيل فريق من أجل توحيد الجهود بين الجهات التنفيذية والاستشارية، لتعزيز الإجراءات الخاصة بالبرنامج الحكومي والاتفاقات الدولية التي تعمل على تنمية وتطوير قطاع الاتصالات ومجتمع المعلومات والإعلام في العراق.