السياسة الإعلامية والأمن الوطني العراقي -الواقع والآفاق-

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2024-04-18 20:52:27

 م.د. محمد جبار زغير

[email protected]

قسم دراسات التطرف العنيف  

تمهيد:    

     تحكم السياسة الإعلامية العراقية مجموعة من القواعد والتعليمات واللوائح التي يرتكز عليها الإعلام الحكومي وغير الحكومي، وهي المبادئ العامة التي يجب أن يلتزم بها القائم بالاتصال لتحقيق أهداف المؤسسة، وتُعد جزءاً من السياسة العامة لأي مؤسسة إعلامية.

    وهذه القواعد والمبادئ والتعليمات لم تكن ثابتة سواء بالنسبة للإعلام الحكومي أو غير الحكومي، بسبب المتغيرات والتدخلات على مستوى المؤسسات الإعلامية كافة، مما انعكس سلباً على الأداء والمهام الملقاة على عاتق القائم بالاتصال وجودة   المحتوى الإعلامي الأمني.

    كون العملية الاتصالية في المؤسسات الإعلامية تبدأ بالقائم بالاتصال الذي يُرمز المعاني التي يريد ايصالها للجمهور في محتوى إعلامي هادف ثم يبثها في رسالة معينة عن طريق وسيلة لتصل إلى المتلقي ثم يأتي بعد ذلك رجع الصدى.

    ومن العوامل التي أثرت على السياسة الإعلامية، الجانب الأمني ومتطلبات الأمن الوطني العراقي والحفاظ على سرية المعلومات، والجانب السياسي، وملف حقوق الإنسان الذي يستخدم بحجة انتهاك الحريات العامة من قبل بعض المؤسسات الإعلامية، فضلاً عن الجانب التقني الذي لا يرتقي إلى مستوى التحديات بالنسبة للإمكانات الإعلامية التقنية الحكومية مقارنة بإعلام الجهات الإعلامية الخاصة الداخلية والخارجية.

    لقد اخذت السياسة الإعلامية الأمنية بالتعافي بعد 2014، بعد أن تم تحديدها على ضوء الفلسفة والاستراتيجية الإعلامية الأمنية والواقع الملموس.

    فالسياسات الأكثر قرباً من الواقع الميداني هي التي تتميز بالدقة والتأثير الملموس، ومن هنا تبرز أهمية التخطيط عن وضع السياسات الإعلامية، وهو التخطيط الذي يتطلب أن يمر بمراحل أساسية مثل:

  1. جمع البيانات عن الاوضاع الأمنية في مختلف مجالاتها وجوانبها.
  2. تحليل البيانات وتفسيرها.
  3. تشخيص واقع الإعلام الأمني على وفق متطلبات الأمن الوطني.
  4. الاستمرار في إجراء تحليل نقدي للسياسات الإعلامية في مختلف مجالات الإعلام الأمني.

     إن رسم السياسة الإعلامية الأمنية عملية متشابكة ومعقدة، تتطلب تحديد الأهداف والحاجات والإمكانات، كما تتضمن ابعاداً مختلفة، ومنها: ( البعد البشري، والاقتصادي، والتقني، والمهني، والاجتماعي).

التحديات التي واجهت السياسة الإعلامية العراقية 

     تشكل التحديات التي تواجه السياسة الإعلامية، عقبات موضوعية امامها، فضلاً عن المصاعب الموضوعية العامة، إذ يمكن تحديدها بالآتي:

  1. صعوبة الحصول على المعلومات والبيانات التي تساعد على تحديث السياسة الإعلامية.
  2. عدم توافر نظم معلوماتية يمكن الاعتماد عليها في التغطية الإعلامية الأمنية على مستوى الداخل والخارج، على وفق السياسة الإعلامية.
  3. خصوصية وسرية القضايا الأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسة، مما يصعب على الصحفي أو الإعلامي تناولها في برامجه الإعلامية.
  4. تركيز الاهتمام الإعلامي على قضايا محددة تمثل الأولوية لدى المؤسسات الاعلامية، مثل: تطورات السياسة الداخلية والخارجية، ومواجهة الإرهاب، وواقع الخدمات، وأهمال الجوانب الأخرى.
  5. الافتقار إلى الكفاءة الإعلامية في معالجة وتحديث السياسة الإعلامية وادائها في الإعلام الأمني العراقي ومواجهة المزالق الإعلامية التي يمكن أن تواجهها على وفق سياسة إعلامية مدروسة ومحدثة تحتاج إلى التعامل مع التحديات والمستحدثات على وفق متطلبات الأمن الوطني الشامل، ومن هذه المزالق:
  • غزارة المعلومات الإعلامية التي تقدمها وسائل الإعلام في مجالات عدة، تفقد الاحسان بالأمن الاجتماعي.
  •  إساءة استخدام القيم الإخبارية في التغطية الإعلامية الأمنية.
  • تقديم الأحداث الأمنية خارج سياقها، والاقتصار على تقديم حاضر الحدث.

الأساليب الدعائية للجماعات الإرهابية وتأثيرها على الأمن الوطني

     مر العراق بمرحلة استثنائية أنعكس تأثيرها على الأمن الوطني العراقي بعد 2003، تمتاز بشموليتها من التركة الثقيلة لسياسات النظام السابق، ومروراً بما رافق عملية الانتقال والتغيير من تعقيدات، وما رافق وجود القوات الاجنبية على الأراضي العراقية من ممارسات وأخطاء، وانقسامات سياسية، ونشوء و تنامي تهديد المنظمات الإرهابية، وتعثر عملية التنمية والسلبية والعداء من العديد من الدول الاقليمية بسبب القلق من تجربة العراق، وعدم تقبل النظام الديمقراطي الاتحادي، فضلاً عن تدخل بعض دول الجوار في الشؤون الداخلية العراقية وموقفها من وجود القوات الأجنبية في العراق، وتداعيات الصراعات الاقليمية و الدولية المتسمة بالتعقيد، وفي ظل هذه الاوضاع استغلت الجماعات الإرهابية الإعلام والأساليب الدعائية في اثارة الفوضى والخراب في البلاد عن طريق جملة من الوسائل والأساليب الإعلامية والنفسية والدعائية ذات التأثير المباشر وغير المباشر في المتلقي، مما اثرت سلباً بشكل وبآخر على السياسة الإعلامية  في العراق بعد 2003.

     إذ تشكل الأساليب الدعائية للجماعات الإرهابية أداة فاعلة في الحروب واثارة الفوضى والخراب، وأن استخدامها لمجموعة من الأساليب الدعائية من قبيل اعتمادها على التضليل، وتزوير الحقائق، واستعمال الشعارات البراقة، والكذب من خلال الصورة والصوت، وتجنيد كل العناصر المتاحة بما في ذلك وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، كما اتخذت السياسية عدة أساليب تطرقت لها الدكتورة منال هلال مزاهرة في كتابها الدعاية اساليبها ومدارسها، نذكر أهمها على النحو الاتي:

  1. أسلوب التكرار والملاحقة: فلا غنى للدعاية مطلق عن التكرار وهي وسيلة من وسائل تثبيت المعلومات المراد إشاعتها بين الجماهير.
  2. أسلوب الكذب: تلجأ إليه الدعاية بدرجات مختلفة، لتحقيق هدف ما، ويترافق مع هذا الأسلوب في الغالب تقديم معلومات مغلوطة، أو اختلاق وقائع غير حقيقية.
  3. التشويه بالحذف أو الإضافة: تتخذه الدعاية للتقليل من القصور فيها عن طريق حذف بعض الكلمات والعبارات أو إضافتها لتغيير المعنى المقصود، ومن أشكال ذلك ما يعتمد فيه على التقنية الحديثة في تركيب الصور وإعادة ترتيب المشاهد، ونبرات الصوت، بل اختلاق مشاهد وصور لأحداث لم تقع.
  4. أسلوب الإثارة العاطفية: يستعمل هذا الأسلوب بغية التأثير في نفوس المقابل بإثارة العواطف لا على المناقشة والإقناع.
  5. إساءة استخدام الأسماء والمصطلحات: نشر أسماء ومصطلحات لا تتناسب وجوهر الأشياء التي تدل عليها، مثلما أطلقت عصابات داعش الإرهابية الصفة الإسلامية عن وجودها، والإسلام منها براء.
  6. التشكيك في الذات أو في الآخر: الهدف منه زعزعة الثقة بالنفس أو بالآخر عن طريق إحداث نوع من الهزيمة الداخلية.
  7. الارتباط الزائف: ربط بين الأمور التي لا ربط بينها بأي حال من الأحوال.
  8. استخدام الصور الذهنية: من خلال استخدام صور معينة لإعطاء انطباعات معينة إدراك الجمهور للأحداث، وكل ما يتعلق بالعالم الخارجي، كالصورة التي تستخدمها وسائل الإعلام العربي أو المسلم.
  9. أسلوب تحويل الانتباه: أثار انتباه الجمهور إلى موضوع آخر ليس له علاقة بالموضوع الأول.

     وتشير دراسة الدكتور حسين سعدي الفتلاوي حول الأساليب الدعائية لتنظيم داعش الإرهابي إلى استخدم الجماعات الإرهابية للمنصات الرقمية والفضائيات لأغراضها الدعائية لاستعراض قوتها وإضفاء هالة مزيفة على فعالياتها الاجرامية وتضخيم قدراتها واظهارها بشكل أكبر من حجمها الحقيقي ونشر اجواء الرعب والخوف، وإنما هو محاولة لإحباط معنويات الأفراد.

     فالإرهاب يحاول التأثير في الرأي العام والترويج لأيديولوجيته والدعاية لها فهو يخاطب اصحاب العقول ذات الميول المتطرفة أو اللجوء إلى اساليب الخداع والاحتيال لاستدراجهم في صفوفه متخذاً من الدعاية أسلوباً له لنشر أفكاره، وهي عنصر بناء لنشاطه الإرهابي مسخراً الانترنت وبعض القنوات التلفزيونية العربية والعالمية، والفضاء الرقمي لتسويق بياناته وصور فعالياته عبر منصات التواصل الاجتماعي في سعيه لتعزيز استراتيجية دعائية لا تهدف إلى نشر ثقافتها المتطرفة فحسب، بل إلى شن حرب نفسية للتأثير في الخصوم، والسعي إلى تجنيد الشباب في صفوفه والقتال في البلدان التي تحارب فيها مثل: أفغانستان، والعراق، وسوريا، واليمن، ودول أخرى، وإذ كانت حكومات الدول قد وَعَت مخاطر هذا الشكل الجديد من تجنيد الإرهابيين للقيام بالعمليات الإرهابية، فقد سعت بالمقابل إلى الشروع في حرب رقمية لاسيما عبر منصات التواصل الاجتماعي في دعاية مضادّة تهدف من ورائها إلى كسب الحرب على الإرهاب عبر رصد فعاليات الجماعات المسلحة ومتابعة تمدّدها ومراقبة أساليب تجنيدها للشباب في صفوفها وجاء هذا البحث ليكشف عن ابرز الاساليب الدعائية التي استخدمتها عصابات داعش في حربها الإعلامية مع العراق ومعرفة الأهداف الحقيقية التي سعت إلى تحقيقها عن طريق مقاطع الفيديو المنشورة في موقع اليوتيوب الإلكتروني حيث جاءت هذه الدراسة تزامناً مع معركة تحرير الموصل من عصابات التنظيم الإرهابي داعش.

     بناءاً على ما تقدم، يمكن الاستنتاج بأن التهديد الإرهابي الدعائي انعكس تأثيره على الواقع العراقي، عن طريق جملة من السلوكيات الإرهابية  إذ يمثل الإرهاب الخطر الوجودي الأول الذي يهدد بقاء الدولة و أرواح المواطنين وكرامتهم وممتلكاتهم وتراثهم، والذي تسبب حتى الان، بقتل، وتهجير، ونزوح المواطنين، وخراب المدن، والذي يُعد تهديداً خطيراً على التنوع الديموغرافي وتدمير البنى التحتية والارث الحضاري، الامر الذي يستدعي العمل على إعداد سياسة إعلامية ووضع وتنفيذ سياسة وطنية على وفق استراتيجية الأمن الوطني العراقي، للتعامل مع الأساليب الدعائية ووسائل الإعلام المعادية، ومنصات التواصل الاجتماعي الفوضوية التي تستخدمها الجماعات المعادية والإرهابية.

     فضلاً عن استثمار الطاقات الإعلامية الوطنية لتوجيه الطاقة النفسية للمواطن العراقي باتجاه ايجابي ينمي قدراته ويساهم في بناء الوطن وفي الوقت نفسه التصدي للجهود المعادية الرامية إلى اشاعة الاحباط والياس والسلبية والتحريض على العنف والتطرف العنيف المؤدي إلى الارهاب.

السياسة الإعلامية التي تعزز الأمن الوطني العراقي

     من أجل توظيف الإعلام الأمني نتحاج إلى سياسة إعلامية أمنية للقيام بهذه المهمة على وفق متطلبات استراتيجية الأمن الوطني العراقي، ومنها:

  1. اختيار متخصصين في المجال الأمني والعسكري ليكونوا ناطقين إعلاميين عن المؤسسة.
  2. تعزيز الثقة بين المواطن والأجهزة الأمنية عن طريق وسائل الإعلام الحكومي والمؤسسات الحكومية الإعلامية تحديداً.
  3. متابعة اتجاهات الرأي العام إزاء القضايا المختلفة، وتحديث السياسة الإعلامية على وفق متطلبات المرحلة.
  4. التغطية الإعلامية للأحداث والمستجدات التي تتعلق بأمن المواطن وفق سياق واحد دون تمييز.
  5. التوثيق الإعلامي للمنجز الأمني والعسكري وللقيادات الأمنية واستخلاص قيم التضحية وحب الوطن.
  6. تحديد الوظائف والمهمات للإعلام الأمني، ومنها: نشر المعارف الأمنية، وتحقيق الوعي الأمني، ومكافحة الجريمة والانحراف، وتنظيم السلوك والممارسة بتوجيه وطني.
  7. تحديد أهداف الإعلام الأمني للمؤسسات العسكرية والأمنية، عن طريق تظافر جهود خبراء واختصاصيين في مجالات متعددة.
  8. تشكيل وعي أمني يثري الروح المعنوية والمادية بكل مقومات النجاح والتفوق.
  9. الدعوة إلى الالتزام بالتعليمات والأنظمة التي تكفل أمن المواطن العراقي وسلامته في شتى مجالات الحياة.

     وفي ضوء ما سبق، يتطلب العمل المستمر على تحديث السياسة الإعلامية الأمنية في ضوء الفلسفة والاستراتيجية الإعلامية الأمنية والواقع الملموس ومتطلبات الأمن الوطني العراقي، وهذا من صميم عمل خلية الإعلام الأمني التابعة لمكتب رئيس الوزراء والتي يقع على عاتقها رسم السياسة الإعلامية الأمنية وتحديد الأهداف، والحاجات، والإمكانات على وفق البعد الأمني، والبشري، والاقتصادي، والتقني، والمهني، والاجتماعي، والثقافي، فالسياسات الأكثر قرباً من الواقع الميداني، هي التي تتميز بالدقة والموضوعية والتأثير والتأييد، وكذاك الأفادة من الخبرة المتراكمة للقائمين بالاتصال على ملف الإعلام الأمني، والاخذ بتوصيات ومقترحات الدراسات والبحوث الأكاديمية ذات الطابع الأمني الإعلامي، وتكثيف التدريب في مجال الإعلام المتخصص، والتأكيد على أهمية التخطيط في رسم السياسات الإعلامية والتي تساعد في جمع البيانات عن الأوضاع الأمنية في مختلف مجالاتها وجوانبها مع تشخيص مكان القوة والضعف و إجراء تحليل نقدي للسياسات الإعلامية في مختلف مجالاتها.

     كذلك نقترح على هيئة الإعلام والاتصالات أن توجه المؤسسات الإعلامية الحكومية وكذلك الساندة لمؤسسات الدولة بالاهتمام بالجانب الأمني وتناول الأحداث وفق متطلبات الأمن الوطني العراقي، وأن تعمل على توحيد الخطاب الأمني عبر وسائل الإعلام، وتشكيل وعي أمني يثري الروح المعنوية والمادية بكل مقومات النجاح والتفوق مع إعطاء الموضوعات الأمنية المساحة المناسبة والمكان المناسب في القنوات الفضائية من أجل التصدي للجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة والأفكار المتطرفة.

    مع التأكيد على شبكة الإعلام العراقي في أنتاج الأفلام الوثائقية حول المنجز الأمني والعسكري العراقي في معارك التحرير ضد عصابات داعش الارهابية، واستخلاص قيم التضحية وحب الوطن وترسيخها بين أبناء الوطن.